لمشاهدة المزيد من دراسات الكتاب المقدس باللغة العربية ، انقر هنا.
21. Jesus the Resurrection
21. يسوع هو القيامة والحياة
سؤال للمناقشة: ما هي أطول رحلة قمت بها سيرًا على الأقدام؟
وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضًا وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا.
وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضًا، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَاسَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ».
فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ:«هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ».
وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ.
فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضًا».
قَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ:«يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا إِلَى هُنَاكَ».
أَجَابَ يَسُوعُ:«أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هذَا الْعَالَمِ، وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ».
(يوحنا 1:11-10)
ينتهي الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا بنزول يسوع السريع إلى وادي الأردن التي يقع على مستوى ثمانمائة وخمسة وعشرين قدمًا تحت سطح البحر من أورشليم التي ترتفع ما يقارب ألفين وخمسمائة قدمًا فوق سطح البحر. ونقرأ أنَّه ذهب إلى المكان الذي كان يوحنا المعمدان يعمّد فيه. ونزل يسوع إلى هناك مباشرة بعد أن حاول اليهود رجمه في أورشليم بعدما أظهر عن نفسه بأنَّه الراعي الحقيقي وأعلن قائلاً: "أنا والآب واحد." فغضب القادة اليهود وحاولوا أن يقتلوه، لكنَّ يسوع فلت من قبضتهم. ونراه هنا ذاهبًا إلى وادي الأردن حيث سيستقبله بعضهم بكلِّ فرح. وتقع تلك المنطقة بالقرب من البحر الميت (النقطة الأخفض في الكرة الأرضية). فمكث يسوع هناك وخدم. وكانت قلوب الناس مستعدّة لأنَّ يوحنا المعمدان كان قد هيَّأها، ونقرأ أنَّ كثيرين آمنوا به (يوحنا 42:10).
وبينما كان يسوع موجودًا في تلك المنطقة وصلته أخبار هو وتلاميذه من مريم ومرثا أنَّ لعازر مريض. وكان الأمر يستغرق سفر يوم لأخذ الرحلة إلى بلدة مريم ومرثا ولعازر الممتدة على مسافة ثمانية عشر ميلاً ونصف الميل شرق أورشليم.
من اللافت أنَّ القرية تُدعى قرية مريم ومرثا (ع 1). ألا يكون من الرائع أنَّه بسبب تكريسك لله يُطلق إسمك على بلدتك؟ ويفترض يوحنا كاتب الإنجيل أنَّ قرَّاءه يعرفون عن مريم من الأناجيل الأخرى (ع2). ولا نقرأ في إنجيله عن مسح مريم لأرجل المسيح بعطرها الغالي الثمن إلا في الأصحاح التالي.
أرسلت الأختان خبرًا إلى يسوع تقولان له: "الذي تحبّه مريض" وعنتا أن لعازر مريض. ويجب أن نتذكَّر أنَّ هؤلاء كانوا أصدقاء مقرّبين ليسوع، وكان هو يستمتع بقضاء الوقت معهم. ولم تطلب الأختان من يسوع أن يأتي إذ علمتا أنَّ الأمر سيزيد ضغطًا عليه. وعلمتا أنَّ السلطات الدينيّة تلاحقه ورؤساء الدين يريدون قتله. والمجيء إلى جوار أورشليم يشكِّل خطرًا كبيرًا، لكن لم تستطيعا إلاَّ أن تخبراه بوضع لعازر. وإني متأكد بأنَّهما كانتا تفكِّران بإبراء يسوع لإبن قائد المئة عن بعد (متى 5:8-13)، فربَّما يفعل ذلك مع لعازر.
كان ردّ فعل يسوع أنَّ الأمر لن ينتهي بالموت، وأنَّ إبن الله سوف يتمجَّد من خلاله. ولا بدَّ أنَّ الرسول حمل تلك الرسالة إلى مريم ومرثا. لكن المشكلة كانت أنَّه بينما كان يسوع يتكلَّم كان لعازر قد مات. دعونا نفكِّر في الأمر، فقد إستغرق المرسل يومًا كاملاً ليصل إلى يسوع. ونقرأ أنَّ يسوع إنتظر يومين (ع 6) قبل أن ينطلق إليهم، وبالطبع إستغرقت الطريق سيرًا يومًا كاملاً. وعندما وصل إلى هناك، قالت له مرثا إنَّه أصبح للعازر أربعة أيَّام في القبر (ع 17 وع 39).
لماذا تعتقد أنَّ يسوع إنتظر يومين؟ وهل تساءلت يومًا عن توقيت الله؟
يعلِّم التقليد اليهوديّ أنَّ روح الإنسان تبقى بالقرب من جسده لفترة تقارب الثلاثة أيَّام. وكانوا يعلنون الوفاة ويفقدون الأمل في إنعاش الميت عندما يتغيَّر لون الوجه وتظهر علامات التحلّل. فإعتقدوا أنَّه بعد ثلاثة أيَّام كان من المستحيل أن تعود الروح إلى الجسد. وعلم يسوع تمامًا فكر الله حين وصل المرسل إليه. وكان يسوع قد أقام كل الموتى الذين حضر جنازاتهم، مثل إبن أرملة نايين (لوقا 11:7-17)، وإبنة يايرس (متى 18:9-26)، والآن لعازر. ولو ذهب يسوع مباشرة لكان إعتقد الناس أنَّه أبرأه ولم يقمه من الموت، لكنَّ الآب أراد أن يعلِّمنا جميعنا أنَّ يسوع هو القيامة والحياة (ع 25). وكان اليهود يؤمنون أنَّه ستكون هناك قيامة الأموات، وهذه إحدى العلامات التي تشير إلى المسيَّا. فكانت هذه المعجزة ستسبب بركة، لكن أكثر من ذلك ستكون علامة إلى أنَّ يسوع هو المسيَّا وهو لديه السلطة على كلّ الأرض.
"تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ." (إشعياء 19:26).
وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ. وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ.(دانيال 2:13-3)
وكون لعازر قد مات قبل أربعة أيَّام فقد أزال هذا الأمر أي شك من عقول الناس عند إقامته من الموت. فكان هذا برهانًا بأنَّ يسوع هو المسيح بالفعل!
دعونا نوجِّه الأضواء على التلاميذ بعد أن وصلهم الخبر. فعندما قال لهم يسوع إنَّه أتى الوقت ليتوجهّوا نحو اليهوديَّة، علموا جميعهم بأنَّه كان يقصد أورشليم. وعرفوا أنَّ عليه أن يمرَّ وسط بيت عنيا وأورشليم ليصل إلى هضبة اليهوديّة، الأمر الذي شكَّل خطرًا عليهم جميعًا. فالطريق كان خطرًا، أضف إلى أنَّ القيادة اليهوديّة كانت قد حاولت قتل يسوع. وكانوا جميهم معروفين أنَّهم تلاميذه المرتدِّون عن التقاليد الدينية اليهوديّة. فلم يجدوا مبرَّرًا لرجوعهم إلى أورشليم. وظنّوا أنَّ لعازر على ما يرام لأنَّ يسوع نفسه قال إنَّ ذلك المرض لن يؤدِّي للموت، إلى أن فسَّر لهم يسوع أنَّه مات بالفعل (ع 14). إذًا أيعقل أن يكون يسوع قد أخطأ عندما قال للمرسل أنَّ لعازر لن يموت؟ بالطبع، كلا. قال إنَّ هذا المرض ليس للموت، والتشديد هنا هو على الكلمة ليس. وطمأنهم بأنَّ الكل سيكون على ما يرام إن مكثوا في النور. وكان الوقت يُحسب بالساعات، فكان النهار إثني عشر ساعة وكذلك الليل أيضًا. وبالطبع، لم يكن عدًّا دقيقًا كما لدينا اليوم. وقد كان يعني أنَّه سيحلّ الظلام من وقت صلبه إلى أن يقوم من الموت. لقد علم يسوع أنَّ وقته كان قد حضر، لكن إلى أن يأتي ذلك الوقت، لم يكن لديه ما يخافه إذ كان يمشي في النور ويعمل مشيئة أبيه.
قَالَ هذَا وَبَعْدَ ذلِكَ قَالَ لَهُمْ:«لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ».
فَقَالَ تَلاَمِيذُهُ: «يَاسَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى».
وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ.
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلاَنِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ.
وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ!».
فَقَالَ تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ لِلتَّلاَمِيذِ رُفَقَائِهِ: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!».
فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ.
وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً.
وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا.
فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاَقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي الْبَيْتِ.
فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ:«يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!
لكِنِّي الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ».
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«سَيَقُومُ أَخُوكِ».
قَالَتْ لَهُ مَرْثَا:«أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ».
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا،
وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟»
قَالَتْ لَهُ:«نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ».(يوحنا 11:11-27)
إستخدم يسوع عبارة "قد نام" ليصف موت المؤمن، هل سيحصل لنا الأمر نفسه عندما نموت نحن المؤمنين فنذهب في سبات وننام حتَّى مجيئه؟ ما الذي سيحصل لنا عندما نموت؟
يصف يسوع موت المؤمن "بالنوم". وهو إنفصال الروح والنفس عن الجسد. فالجسد يكون "نائمًا" في القبر، لكنَّ الروح ذلك الجزء غير المرئي الذي هو الجزء "الباقي" تذهب لتكون مع الرب. وعندما كان اليهود يرجمون إستفانوس أوَّل شهيد مسيحي رأى الربّ جالسًا عن يمين الآب (أعمال الرسل 56:7)، ونقرأ أنَّه بعد ذلك رقد في الربّ (أعمال الرسل 59:7). وبينما كان جسده مغطًّى بالحجارة، وقف يسوع في مكانه عن يمين الآب ليستقبل روحه هو بنفسه. وعندما أقام يسوع إبنة يايرس، نقرأ أنَّ روحها عادت إليها (لوقا 55:8)، فأين كانت روحها؟ لقد كانت مع الآب بينما كان جسدها مجسًّا أمام يسوع. وكتب الرسول بولس إلى أهل تسالونيكي قائلاً:
"الَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعًا مَعَهُ." (1تسالونيكي 10:5)
حتَّى لو كانت أجسادنا مائتة (نائمة)، سنكون أحياء مع المسيح. ويكتب بولس عن هذا الأمر في مكان آخر قائلاً:
"وَلكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي!
فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا." (فيليبي 22:1-24).
قال إنَّه يشتهي أن ينطلق ويكون مع المسيح. ولو إعتقد أنَّه سيكون غائبًا عن الوعي ما كان ليقول "ذاك أفضل جدًّا." لكنَّه آمن أنَّه في اللحظة التي سيغمض فيها عينيه سيكون مع المسيح. عندما نؤمن بالفعل كما فعل بولس أنَّ الموت أفضل جدًّا يجهزنا هذا الموقف القلبي لأيِّ أمر نواجهه.
غالبًا ما سُمي توما (الذي يُدعى ديماس أي التوأم) المشكك، لكن عندما نقرأ أنَّ يسوع قال لتلاميذه إنَّهم سينطلقون نحو أورشليم واليهودية جهَّز نفسه للإنطلاق. لقد كان متوقِّعًا أن يموت مع المسيح. ويمكن أن يكون الموت ملك الهلع عند كثيرين، لكنَّ يسوع هو ملك الملوك وقد غلب الموت والجحيم من أجلنا نحن الذين آمنَّا به.
بعد أن سمع يسوع خبر مرض لعازر إنتظر يومين قبل أن يتوجَّه إلى بيت عنيا. شارك عن فترة في حياتك حين إنزعجت من إنتظار توقيت الرب. هل وجدت لاحقًا سببًا للتأخير؟
أذكر أنَّه مرَّت عليّ ثلاث سنين ونصف السنة حين كنت أصارع مع مكتب الهجرة في الولايات المتحدّة من أجل الحصول على تأشيرة إقامة. وكان وقتًا صعبًا جدًّا إذ أنِّي لم أستطع طوال فترة الإنتظار أن أتقاضى أجرًا كاملاً. وكانت فترة الإنتظار تلك محبطة جدًّا، وإتكلنا على الربّ لتسديد إحتياجاتنا. لا أعلم كيف كنَّا سنتخطَّى تلك الظروف لولا أصدقائنا ونعمة الربّ. وإذ أنظر إلى الوراء أرى أنَّ إيماني تقوَّى في كلّ مرَّة كان الربّ يرسل لنا المال من خلال الأصدقاء لنتخطَّى تلك المرحلة.
يبدأ العدد السابع عشر بالقول إنَّ الربّ وصل إلى بيت عنيا، ولكن ليس إلى بيت مريم ومرثا لأنَّ مرثا أُخبرت أنَّ الربّ قادم (ع 20). وذهبت لملاقاته بينما بقيت مريم في البيت. فإلى أين وصل؟ لا بدَّ أنَّه كان قد وصل إلى خارج البلدة حيث كانت المدافن. فذهبت مرثا إلى هناك حيث كان منتظرًا (ع 20). وكان بيت مرثا داخل البلدة بعيدًا عن المدافن. وإنِّي متيقن أنَّ يسوع وتلاميذه كانوا قد تعبوا من الصعود من طريق أريحا. وعندما سمعت مرثا أنَّ الربّ قادم، تركت كلّ شيء وأسرعت لملاقاته دون أن تنتظر مريم. لكن، لم يكن الربّ سيقيم لعازر قبل أن تصل مريم. فقد أراد أن ترحِّب الأختان بأخيهما إذ يُوقظ من سبات الموت.
لا بدَّ أنَّ مريم ومرثا ولعازر كانوا معروفين في أورشليم إذ نقرأ أنَّه أتى الكثير من اليهود لتقديم التعازي عندما مات لعازر. ولا يخبرنا يوحنا لماذا بقيت مريم في البيت. لكننا نعلم أنَّ مرثا كانت مضيفة ممتازة تهتم لأمور ضيوفها، لكن ربَّما كانت قد تعلَّمت الدرس من مريم التي بقيت عند رجلي يسوع تستمع لكلماته. وأصرّت الآن بأن تضع المسيح أوَّلاً قبل مسؤولياتها تجاه ضيوفها. لكن، لا نجد جوابًا لماذا بقيت مريم في البيت.
عندما وصلت مرثا إلى المسيح كان قلبها ولسانها ممتلئين بألف "لو أنَّ...". "يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!" وغالبًا ما نندم على أمور حدثت في حياتنا، إن كان ذلك بسبب خياراتنا أو بسبب سوء الحظّ. فالحياة مليئة بــــِ "فقط لو" و "ماذا لو". وهي مليئة بالتساؤلات. لكن إن كنَّا نركِّز على عبارة "فقط لو"، يمكن أن نفوِّت السؤال الأهم وهو "ماذا الآن؟". فالسؤال الذي يجب أن نطرحه على الربّ في ظروف مماثلة هو:"ماذا الآن، يا رب؟ ما هي الخطوة التالية؟" فإن كنَّا نضع الربّ في المعادلة مهما تكن الحالة صعبة أو معقَّدة، لن يعسر عليه إيجاد حلٍّ لها.
عبَّرت مرثا عن ندمها هنا، إلاَّ أنَّها عرفت أنَّ لا شيء مستحيل على الربّ، فتجرَّأت وقالت له:"لكِنِّي الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ." (ع 22). وغالبًا ما نقسى على مرثا عندما نقرأ عنها وعن أختها، لكنِّي أعتقد أنَّ يسوع نظر إلى حزنها بعطف وشعر بألمها. وبينما نقرأ هذا النص، نجد أنَّ ما قالته صحيح! لقد تحلَّت بالجرأة بأن تأمل وتعلن إيمانها بأنَّه هو المسيَّا المنتظر إبن الله الذي أتى إلى هذا العالم! ربَّما نرى يسوع وسط الحالة التي نمرّ بها، لكن هل تمدّ له يدك طلبًا للمساعدة؟ وصلت مرثا في إيمانها إلى مرحلة إستطاعت أن تقول فيها: "لكِنِّي الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ" (ع 22). لكنَّها لم تطلب منه! وكثيرون منا يمتلكون إيمانًا كبيرًا إلاَّ أنَّهم لا يطلبون منه أن يتدخَّل بطريقة عجائبيّة، تمامًا كقصَّة الرجل الذي كان إبنه مسكونًا:
فَسَأَلَ أَبَاهُ:«كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هذَا؟» فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ.
وَكَثِيرًا مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا».
فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ».
فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ:«أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي». (مرقس21:9-24)
كان ذلك الرجل يصارع بإيمانه مثل مرثا. لقد آمن أنَّ يسوع يستطيع أن يشفي ويحرِّر إبنه، لكن مثل كثيرين منَّا ومثل مرثا، كان تركيزه على الحالة المأساوية والتي بالنسبة لنا لا حلّ لها. نحن بحاجة لمعونة من عند الربّ لنغلب ضعف إيماننا! كان واقفًا أمام مرثا "أهيه الذي أهيه" (خروج 14:3) منتظرًا أن تعبِّر عن إيمانها. وشارك معها من يكون هو:"قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» (ع 25-26). وكانت هذه خامس عبارة من عبارات "أنا هو" الذي قالها يسوع عن نفسه. وكأني به يقول لها: "أنا هو كل ما تحتاجين إليه."
هل مررت بوقت صعب أو تجربة صعبة حين قلت:"آه، لو لم يحصل ذلك." أو "فقط لو أني إتخذت قرارًا آخر." إن كنت تشعر بالندم أو الأسف على أمر في الماضي أو الحاضر، دع يسوع يتدخَّل الآن.
ما هي الحالات التي تقول فيها عبارة "فقط لو..."؟ ما الذي يأتي على فكرك؟ شارك مع الآخرين إن كنت تريد ذلك (يمكنك أن تعتذر عن ذلك). ولاحقًا عند نهاية الدرس سوف نقدِّم هذه الأمور للرب بطرحنا السؤال:"ماذا الآن يا رب؟"
رجعت مرثا إلى البيت لتأتي بمريم، لأن معجزة إقامة لعازر من الموت لن تحدث ما لم تكن هي موجودة. وعندما خرجت مريم من البيت لحق بها الحاضرون ليبكوا معها:
وَلَمَّا قَالَتْ هذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرًّا، قَائِلَةً:«الْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ».
أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعًا وَجَاءَتْ إِلَيْهِ.
وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا.
ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي الْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ».
فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ:«يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!». فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، وَقَالَ:«أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» قَالُوا لَهُ:«يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ». بَكَى يَسُوعُ.
فَقَالَ الْيَهُودُ:«انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ!».
وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ:«أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟».
فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ.
قَالَ يَسُوعُ:«ارْفَعُوا الْحَجَرَ!». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ:«يَاسَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ».
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟».
فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ:«أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:«لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!»
فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ». (يوحنا 28:11-44)
نرى إيمان مريم إذ إنَّها عندما وصلت إلى مكان وجود يسوع، وهو على الأرجح بالقرب من القبر، ركعت عند قدميه (ع 32)، وقالت له تمامًا ما قالت له مرثا:"يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!". ومن ثمَّ نرى تأثّرًا واضحًا بدا على مريم ومرثا والموجودين بسبب فقدانهم للعازر: "فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ" (ع 32). والكلمة اليونانية المستخدمة للتعبير عن إنزعاج يسوع هي embrimaomai وقد إستخدمها يوحنا في هذا العدد وفي العدد 38: "فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضًا فِي نَفْسِه." وقد إستخدم متى ومرقس هذا التعبير في إنجيليهما وقد تُرجم إلى التالي: "فَانْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: «انْظُرَا، لاَ يَعْلَمْ أَحَدٌ!" و "فَانْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ" (مرقس 43:1). وإستخدمها مرقس مرَّة أخرى عندما عبَّر التلاميذ عن غيظهم:"وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا."(مرقس 5:14).
ما هي الرسالة التي أراد أن ينقلها يوحنا عندما إستخدم عبارة embrimaomaiليصف ردَّة فعل يسوع بالنسبة للحزن الموجود عند القبر؟
يبدو وكأنَّ يوحنا يستخدم الصرامة أو الغضب اللذين رآهما في يسوع في ذلك اليوم. وقد نقل مفسِّر الكتاب المقدَّس وليم باركلي الصورة أفضل ممَّا يمكن أن أنقلها أنا:
"لما الغضب؟ يبدو وأنَّ دموع اليهود كانت مجبولة بالرياء. فالحزن المصطنع هو ما أثار غضب يسوع. لكن بالطبع فإنَّ حزن مريم ومرثا كان حقيقيًّا، ولا يمكننا أن نفسر كلمة embrimaomai لتعني الغضب. وقد ترجمها "مافت" إلى chafedأي "أُثيرت مشاعره"، إلاَّ أنَّ الترجمة أتت ضعيفة. أمَّا في الطبعة المنقّحة للكتاب المقدَّس فأتت كالتالي:" إنزعج يسوع بالروح"، إلاَّ أنَّها لا تفي المعنى حقّه. وترجمها "رييو" كالتالي: "إنزعجت روحه لدرجة حتَّى أنَّ جسده إرتجف." ربَّما يكون ذلك الأقرب إلى المعنى الأصلي. وفي العادة تُستخدم كلمة embrimaomai في اللغة اليونانية الكلاسيكيَّة لوصف حصان يشخر. ما يدلّ على أنَّ الوصف يشير هنا إلى مشاعر عميقة تملَّكت يسوع حتَّى أخرج صوت أنين نابع من قلبه. هذا هو الأمر الرائع في الإنجيل إذ إنَّ يسوع يتشارك مع ألم الإنسان حتَّى يعتصر قلبه في داخله."
نرى هنا صورة جميلة إذ يدخل يسوع في آلامنا. وقد تكلَّم عنه إشعياء قائلاً إنَّه رجل الأحزان ومختبر الحزن (إشعياء 3:53). وقد جسَّد يسوع هنا المثال الأفضل المقدَّم لنا في المزمور 17:51"ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ." أعرف مؤمنين وضعوا ثقتهم في الربّ يسوع وهم يذرفون الدمع بسهولة عندما يتقابلون مع ألم وعذاب الآخرين. يا له من أمر جميل أن يكون لدينا قلب منسحق وروح منكسرة فنستطيع أن نشعر مع ألم الآخرين ونبكي معهم عندما يبكون (رومية 15:12). لقد وضع لنا الربّ مثالاً حتّى نعيش كما يريد هو.
ما هي الحالة التي تدعوك لتقول: "لو كنت هنا يا رب..." من الجيد أن تنقسموا إلى مجموعات مؤلَّفة كلّ منها من شخصين وتصلّوا من أجل بعضكم بعضًا حتَّى يتدخَّل "أهيه الذي أهيه" وينجدك مهما تكن الحالة التي تمرّ فيها. إسأله: "ماذا الآن يا ربّ؟"
صلاة: أيّها الآب، أشكرك من أجل إبنك الرب يسوع المسيح الذي هو مثالنا الأعظم لأنَّه يستطيع أن يدخل إلى آلامنا وعذاباتنا. ساعدنا يا رب أن نتعلَّم أن نحيا مثله في كلّ طرقنا.
Keith Thomas
Email: keiththomas7@gmail.com
Website: www.groupbiblestudy.com