لمشاهدة المزيد من دراسات الكتاب المقدس باللغة العربية ، انقر هنا.
8. Jesus and the Samaritan Woman
8. يسوع والمرأة السامرية
يوحنا 1:4-26
شارك مع الآخرين عن مقابلتك شخصًا من حضارة أو بلد مختلف. ما هي الفوارق التي لاحظتها؟
فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلاَمِيذُهُ، تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أَيْضًا إِلَى الْجَلِيلِ.
وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. فَأَتَى إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَارُ، بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِه. وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ، وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» لأَنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَامًا.فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟ أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا» أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالتْ: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ. لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ." يوحنا 1:4-26
تفسير العداوة بين اليهود والسامريين
قبل حوالي ما يقارب السبعمائة سنة من الحديث الذي جرى بين رجل يهوديٍّ وامرأة سامرية (723 ق.م) سُبيت القبائل اليهودية العشر الشمالية إلى أشور. ومنذ ذلك الوقت دُعيت المنطقة بالسامرية، حيث وطَّن ملك الأشوريين شعوبًا خمسة كانوا يعبدون آلهة مزيَّفة مختلفة (2ملوك 24:17). وبسبب عبادتهم الضالَّة، يخبرنا الكتاب المقدّس أنَّ الرب أرسل في وسطهم أسودًا افترست بعضًا منهم. فأرسل ملك الأشوريين كاهنًا من إسرائيل ليعلِّم الشعب كيف يعبدون الرب، لكن كانت النتيجة ديانة مزيَّفة مختلطة من عبادة الرب وعبادة آلهة أجدادهم (2 ملوك 33:17). وتمركزت عبادتهم في جبل جرِّيزيم وبنى السامريون الهيكل بالقرب من بئر يعقوب حيث جلس يسوع ليرتاح. وفي سنة 129 ق.م شنَّ القائد اليهودي يوحنا هيركانوس هجومًا على السامرة ودمَّر هيكل السامريين في جبل جرِّيزيم. بالنسبة لليهود كان السامريون كالأمم (غير اليهود) بسبب إفسادهم الديانة اليهودية الصحيحة. وحدث إذا سافر يهوديٌّ من شمالي فلسطين أيِّ الجليل والناصرة إلى أوروشليم في زمن الأعياد، كان يدور حول السامرة فينزل إلى وادي الأردن بالقرب من أريحا شمالي البحر الميت لكي يتجنَّب السامريين؛ ممَّا يعني يومين أو ثلاثة إضافية من السفر. أمّا الطريق المباشر من أورشليم إلى الناصرة فكان على بعد خمسة وسبعين ميلاً. وكان الطقس يتحوَّل إلى باردٍ جدَّا بحسب الفصول لأنَّ سوخار منطقة جبلية. قم بزيارة الموقع التالي إن كنت تودّ رؤية الطريق:
http://bibleatlas.org/full/road_to_jerusalem.htm
لم يكن مرحَّبًا بأيِّ يهوديٍّ مسافرٍ نحو أورشليم أن يمكث في السامرة (لوقا 53:9)؛ لهذه الدرجة كانت كراهية السامريين لليهود محتدمة والعكس صحيح. حين جلس يسوع على البئر، كان عمر العداوة أكثر من أربعمائة سنة.
برأيك، ماذا عنى يوحنا حين قال إنَّه كان لا بدَّ ليسوع أن يجتاز السامرة؟ (ع 4)
كان لا بدَّ ليسوع أن يجتاز السامرة بدل استخدام الطريق الطويل حول وادي الأردن. يقول البعض إنَّ يسوع كان يحاول الإستفادة من الوقت بسبب موعد لاحق، لكن من الواضح أنَّه لم يكن لديه ارتباط آخر إذ عندما رجعت المرأة إلى القرية وأخبرت الناس، مكث هناك يومين (ع 40). كان لا بدَّ له أن يجتاز في السامرة ليسدِّد احتياج تلك المرأة السامرية والآخرين الذين قادتهم إلى المخلِّص. كان يسوع يخصِّص الوقت للناس وكان يساعدهم مهما كانت الخطايا التي ارتكبوها أو مهما كان أسلوب حياتهم.
يسوع المبشِّر
لقد حدَّد العلماء منطقة سوخار بشكيم وقرية عسكر اليوم على المنحدر الجنوبيّ الشرقيّ من جبل عيبال. وتشكِّل مواقع شكيم وقرية عسكر والبئر حيث التقى يسوع بالسامرية مثلَّثًا مساحة كلِّ جزء منه ما يقارب النصف ميل. نقرأ أنَّ التلاميذ ذهبوا إلى القرية لابتياع الطعام بينما ارتاح يسوع بالقرب من البئر. ربما يتساءل البعض لماذا لم يبقَ بعضٌ منهم معه؛ فهذه كانت فرصة لصرف بعض الوقت النوعيِّ مع بطرس أو يعقوب أو يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه فيقضي بعض الوقت بمفرده معه؟ وكأنَّ يسوع كان يعلم أنَّ السامرية كانت في طريقها إلى البئر، وربما عبرت بالقرب من التلاميذ بينما كانوا يجتازون مسافة النصف ميل إلى القرية. هل أرسلهم جميعًا إلى القرية ليتسنى له التكلُّم مع المرأة من دون أيِّ تشويش؟ لا تبدو لنا الحادثة صدفة، بل هي مرتَّبة من قِبَل الآب حتى تأتي المرأة في الوقت الذي كان فيه يسوع جالسًا على البئر. وبالطبع، هناك احتمال بأن يكون الرسول يوحنا قد شهد الحدث من دون أن يتدخَّل بدل أن تخبره المرأة التفاصيل التي شاركنا بها خلال اليومين التاليين.
كانت النساء في تلك الأيَّام يجلبن الماء من البئر عند الغروب أو في الصباح الباكر. يجتمعن هناك ويتحدَّثن ويتبادلن الأخبار ويصرفن الوقت مع بعضهن. لماذا برأيك قد تأتي تلك المرأة في الساعة السادسة أي في منتصف النهار وأحرِّ وقت حين يرتاح الناس؟
يفيدنا أن نعلم كيف كانت تتمّ معاملة النساء في حضارة الشرق الأوسط في تلك الأيَّام. ويشرح لنا وليم باركلي في كتابه التفسيريِّ لإنجيل يوحنا التالي:
"كان الحاخامات المتشدِّدون يمنعون أيَّ حاخام من إلقاء التحيِّة على امرأة في مكانٍ عامٍ. حتى أنَّ الحاخام لم يكن يتكلَّم مع زوجته أو ابنته أو أخته في مكان عام. وكان يُطلق على بعض الفريِّسيين صفة "النازفين وأصحاب الكدمات" لأنَّهم كانوا يغمضون أعينهم إذا صادفوا امرأة في الشارع فيصطدمون بالجدران والبيوت! أمَّا رؤية حاخام يُكلِّم امرأة في مكان عام فكان من شأنِه أن يلطِّخ صيته، لكن يسوع تكلَّم مع السامرية. ولم تكن مجرَّد امرأة محترمة بل امرأة لعوبًا. فلا رجل محترم ناهيك عن معلِّم يريد أن يُرى برفقتها أو أن يتكلَّم معها، لكن يسوع تكلَّم معها."
لاحظ أنَّه بدأ الحديث معها بأن طلب منها المساعدة. أراد أن يشرب من جرَّتها؛ ما سبَّب لها صدمة. فقد لاحظت من ثيابه والشرَّابات وهدب ثوب الصلاة، وربما من سوالفه غير المقصوصة بحسب تعليم الشريعة "لاَ تُقَصِّرُوا رُؤُوسَكُمْ مُسْتَدِيرًا، وَلاَ تُفْسِدْ عَارِضَيْكَ." (لاويين 27:19) أنَّ ذلك الرجل يهوديٌّ. ولم يكن كافيًا أنَّها من السامرة، بل كانت امرأة وطلب أن يشرب من جرَّتها وكان ذلك أمرًا مستهجنًا لأيِّ يهوديٍّ. لكن، كان هذا يسوع ولم تعرقله أيٌّ من عوائق الحضارة المعترف بها. كانت امرأة محتاجة وهو تقدَّم لمساعدتها.
خدمنا زوجتي وأنا في شبابنا مع مجموعات من كنيستنا فكنَّا نذهب في شوارع إنكلترا ونبدأ أحاديث روحيَّة مع الناس. كنَّا نستخدم أساليب متعدِّدة من فن التواصل كالدراما والصور وما إلى هنالك للوصول إلى الناس. كان من السهل القيام بذلك لأنَّه كان يُمنع مرور السيّارات وسط البلدة حيث كان المكان مخصصًّا للمارَّة وكان الناس يقضون بعضًا من أوقاتهم هناك. كنا نقوم ببعض الإحصاءات ونسأل الناس أن يعطونا بعضًا من وقتهم للإجابة على بعض الأسئلة. كان معظمهم معتادين على الإجابة على أسئلة إحصاءات الشركات؛ فكنَّا نطرح عليهم أسئلة عن مواضيع روحيَّة، أو أسئلة تقود إلى أحاديث عن المسيح وتعاليمه. وبالإجمال فإنَّ الناس منفتحون عندما تطلب منهم المساعدة في أمرٍ ما. وكان يسوع متحدثًّا لبقًا وعرف كيف يصل إلى الناس ويطال موضوع احتياجهم. فبدأ بأن طلب منها المساعدة لأمرٍ عمليٍّ وهو شربة ماءٍ. كان عمق بئر يعقوب في سوخار ما يقارب المئة قدمًا، ولم يكن لديه ابريق ولا دلوّ ولا حبل. ولم يكن لديه مانع بأن يشرب من جرَّتها. لقد أراد أنَّ أن يعطيها الماء الحيّ الأكثر أهميِّة. وقد أثار حديثه فضوليتها وأيقظ جوعها الروحيِّ.
دُهشت السامرية من ذلك الرجل اليهوديِّ الثلاثيني الذي يتكلَّم معها ويطلب منها ماءً. لم تكن معتادة أن يكلِّمها رجلٌ في مكانٍ عام ناهيك عن رجل يهوديٍّ. ولم تكن تتوقَّع أن يعيرها أحد أيَّ انتباه، لكن يسوع لم يطلب منها ماء فقط، بل قدَّم لها الماء الحيَّ. وذكر عن عطيّة الله ليحثَّها على طلب الماء الحيِّ. نرى يسوع يقود هذه المرأة لمحادثة فتحت قلبها. بعد التفكير، فإنَّ ما حدث يدعو للتعجُّب. لم يكسر يسوع الحواجز الحضارية فقط، بل تطرَّق إلى مواضيع شائكة بالنسبة للناس. وقد تكون هذه تجربة مميّزة (إن كنت لم تختبرها) خاصة إذا رافقتها النوايا الحسنة فتشِّع محبَّة المسيح. أراد يسوع أن يفتح عينيّ تلك المرأة فترى عطيّة الله وتدرك بأنَّه من الممكن أن تُغفر خطاياها وتأخذ ماءً حيًّا لروحها. أذكر أنَّني وساندي كنَّا نحاول أحيانًا أن نفتح الأحاديث مع بعضهم فنسألهم إن كانوا قد سمعوا عن عطيَّة الله؛ ويطول الحديث عن عطايا المسيح. إليكم بضعة أمثلة عن أسئلة ممكن أن تؤدِّي إلى حوار:
هل أنت مهتمٌّ بالأمور الروحيَّة؟
ما هو برأيك أكبر احتياج للإنسان اليوم؟
هل أخبرك أحدهم عن عطيَّة الله؟
ماذا يمكن أن تكون إجابتك عن السؤال التالي: "من هو المسيحي الحقيقي"؟
هل اختبرت يسوع المسيح شخصيًا، أو ماتزال في طور الإكتشاف؟
هل تعتقد أنَّه من الممكن أن تتأكَّد قبل أن تموت أنك ذاهب إلى السماء؟
يومًا ما عندما تقف أمام الله، ما هو السبب الذي ستقدِّمه له لكي يدعك تدخل إلى ملكوته؟
كنّا نستهل حديثنا بهذا الأسلوب آملين أن نصل إلى حديث على مستوى أعمق. فكان يحدث ذلك أحيانًا، وكنا نفشل في أحايين أخرى. لكن مهما كانت ردَّة فعل الناس فإنَّ بعض الذين تجاوبوا استأهلوا الوقت الذي صرفناه معهم. وغالبًا ما سُنِحت لنا الفرصة لنصلِّي لإحتياجات الناس. وكانت تلك اللحظات تدبيرًا إلهيًا لبعضهم.
دعونا نلقي نظرة أدَّق على الموعد الذي كان ليسوع مع المرأة السامرية.
قال لها يسوع: "لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا." (ع 10).
ما هي العطيَّة، وماذا تعني برأيك عطيَّة الله؟ ولماذا على الإنسان أن يطلب عطيَّة الله قبل أن يأخذها؟
تُقدَّم العطيَّة دون أعمال نقوم بها بالمقابل. ولتقريب الصورة أكثر، فكِّر في مناسبة عيد الميلاد حين يتبادل الناس الهدايا. فالأهل يقدِّمون الهدايا لأولادهم ليس لأنَّهم استحقوها بسبب أمر قاموا به، بل بسبب محبّة الأهل. ومن النادر جدَّا أن يعاقب الأهل الولد ويمنعوا عنه الهدايا في تلك المناسبة بسبب شقاوته. هناك أمران في الكتاب المقدِّس يُشار إليهما بأنّهما عطايا: عطيَّة الحياة الأبدية وعطيَّة الروح القدس. هناك أيضًا عطايا (مواهب) الروح القدس، لكن هناك العطيَّة المجَّانية للحياة الأبدية التي يهبها الروح القدس حين ندعوه إلى حياتنا. وتترافق عطيَّة الحياة الأبدية مع عطيَّة الروح القدس؛ ففي المبدأ هما واحدة ولا يمكن لواحدة أن تأتي دون الأخرى. والحياة الأبدية هي نتيجة للولادة الثانية من الروح القدس (يوحنا 3:3) وهي هبة إله محبٍّ ورحيم. ولا يمكننا أن نقوم بأيِّ عمل لنكسب تلك العطايا، بل تقدَّم لنا عندما نؤمن ونثق بعمل المسيح الكامل على الصليب بغضِّ النظر عن أعمالنا.
"لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ." (أفسس 8:2-9).
هل يمكنك أن تتخيَّل مدى التفاخر الذي كان سيُتداول في السماء لو أنَّ الذهاب هناك هو نتيجة صلاحنا؟ لكن، ما مدى الصلاح الذي يجب أن نصل إليه لو كان الله سيديننا على فضائلنا أو أعمالنا؟ فكِّر في الأمر! لو كان الله سيكافىء العالم على أعمالهم الصالحة فقط، كم من الأعمال الصالحة عليك القيام بها لتحصل على مكافأة الحياة الأبدية بدل العقاب؟ هل من عددٍ سحريٍّ للأعمال الصالحة؟ وهل جميعها في نفس المستوى؟ ماذا لو قام أحدهم بأقلِّ عدد أو بنوع أقل قيمة، هل هناك ما يحدِّد قبول الآب أو رفضه لنا؟ من الواضح أنَّ الأمر ليس منطقيًا. لكن، علينا أن نثق أنَّ الله يعرف قلب كل إنسانٍ ويدرك نواياه. هو يعلم بالتمام على ماذا حصلوا هذه الأرض. ومن البديهيِّ أن يدين الله الناس على تجاوب قلوبهم مع عطيَّة الحياة الأبدية الكاملة التي قدَّمها لنا من خلال ابنه. فنحن لا يمكننا أن نصل إلى الكمال، إلاَّ أنَّ يسوع كامل وقد قدَّم حياته لنا.
كنت أتحدَّث يومًا مع أحدهم وشجَّعته على اتخاذ خطوة الإيمان، لكنه أجابني بأنَّه متأكِّد بأنَّه سيذهب إلى السماء بعد موته لأنَّه خلَّص رجلين مرَّة من ركام طائرة محطَّمة، وأنَّ الله سيتغاضى عن حياته الشرِّيرة بسبب عمله البطوليِّ بإنقاذ الآخرين. حاولت أن أفسِّر له أنَّنا نأخذ الخلاص المجاني فننال الحياة الأبدية ولا نكسبه، إلاَّ أنَّه لم يقتنع. كان واثقًا بأنَّ أعماله البطولية كافية لخلاص نفسه. تُعطى عطيَّة الله الحياة الأبدية من خلال ربِّنا يسوع المسيح عندما يعترف الإنسان أمام الله القدوس بإفلاسه الروحيِّ ويتوب ويعيد التفكير بحياته ويلتفت نحو المسيح ويعيش ليرضي الله وليس ذاته:
"تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (أعمال الرسل 38:2)
عندما يأتي الروح القدس الذي هو عطيَّة الله إلى حياة الإنسان فإنَّه يجلب معه تجديدًا للحياة. وقبل أن نختبر "الولادة الجديدة" (يوحنا 3:3)، نكون أمواتًا روحيًّا (أفسس 5،1:2)، ولن يكون باستطاعتنا معرفة الله على المستوى الروحيِّ. وروح الله الحي الساكن فيك يمثِّل ماء روحيًّا حيًّا ينبع لحياة أبدية (يوحنا 14:4).
وإذ نقرأ الحديث الذي أجراه يسوع مع تلك المرأة بالقرب من البئر، نرى كم حرّك حشريتها وخاصةً حين قال:
"كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ." (يوحنا 13:4-14).
ماذا كان يعني يسوع حين قال إنَّ من يشرب من الماء الذي يعطيه هو لن يعطش إلى الأبد؟
كان يسوع يتكلَّم من الناحية الروحيَّة، أمَّا المرأة فكانت ما تزال تفكِّر بالماء. قال إنَّ من يشرب من الماء الروحيّ لن يعطش أبدًا. ونجد في العهد القديم آيات عديدة تتكلَّم عن العطش إلى الله كما نعطش للماء (مزمور 1:42؛ إشعياء 1:55؛ إرمياء 13:2؛ زكريا 1:13). فالعطش والجوع الروحيَّين لله أو للأمور الروحيَّة التي يريد الله أن يعيد بناءها في حياتنا يُشبَّهان للجوع والعطش الجسديين. وتأتي أوقات حين يشعر الإنسان بأنَّ هناك "قطعة ناقصة" في حياته، لكنه لا يستطيع أن يضع الإصبع على هذا الفراغ الذي يؤلمه. قبل عدِّة سنوات تكلَّم أمير إنكلترا تشارلز عن إيمانه بأنَّه بالرغم من تطوُّر العلم "يبقى في داخل الروح (اسمحوا لي باستخدام العبارة) قلق مستمرٌّ في اللاوعي بأن أمرًا ما ناقص؛ مكوِّنًا يعطي للحياة معنى." الكتاب المقدَّس يدعو ذلك القلق المستمر في اللاوعي بالعطش. إنَّه اشتياق داخليٌّ لأمرٍ لا يمكننا الإمساك به. لقد "صمَّمنا" الله لكي تكون لنا شركة معه، وإلى أن نتحدَّ معه بأن نتوب عن خطايانا ونقبل المسيح، سنشعر بهذا التوق الداخليِّ لأمر ما ونبقى غير مكتفين. نحاول أن نملأ ذلك الفراغ بممارسة الجنس وتعاطي المخدَّرات والموسيقى والسيَّارات والبيوت والوظائف وأمور أخرى. لكن لا شيء يروي عطشنا غير الله.
بماذا حاولت أن تملأ حياتك في الماضي وتبيَّن لك أن لا جدوى فيها يُرتجى؟
كان يتذكَّر الناس في العهد القديم في آخر أيَّام عيد المظال عندما أخرج موسى ماءً من الصخرة في البريَّة القاحلة عندما عطش الشعب (خروج 6:17) بعد خروجهم من مصر. وكانوا يترقَّبون إتمام نبوَّة حزقيال (حزقيال1:47-12) حيث قال إنَّ نهر ماءٍ حيٍّ سيفيض من جوف الأرض، من أورشليم إلى البحر الميت الذي سينبض بالحياة بسبب ذلك النهر. وبحسب التقليد العبريِّ فإنَّ الأراضي الفلسطينيَّة تقع في وسط الكرة الأرضية، وتقع أورشليم في وسط البلد، ويقع الهيكل في وسط أورشليم. كان رئيس الكهنة يرافقه آلاف المتفرِّجين يملأ كأسًا من ماء بركة سلوام. وكان يسكب الماء بواسطة قمع مرَّة في السنة في العيد على أرض الجانب الغربي من الهيكل على أمل أن يتدفَّق هذا النهر الكبير من تحت الهيكل في أورشليم. وكان أنَّ يسوع انتقى تلك اللحظة ليقف بين الآلاف المجتمعين في باحة الهيكل ونادى بصوت عظيم:
"إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ." (يوحنا 37:7-39)
أراد يسوع أن يقول إنَّه هو إتمام نبوَّة حزقيال، وإن أتى الناس إليه وشربوا من ماء الإله الحي، يختبرون حياة فيَّاضة في داخلهم (1كورنثوس 19:6). فكلُّ ما يطلبه الله منَّا هو أن نعطش إليه ونأتي إليه ونشرب.
تجدِّد المرأة السامرية
عندما أجابت المرأة بأنَّها تريد ذلك الماء، قال لها يسوع: "اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا" (ع 16)
لماذا طلب منها يسوع أن تدعو زوجها؟ ولماذا لم يعطها فقط الماء الذي أخبرها عنه؟
أرادت المرأة أن تشرب من الماء الحيِّ، لكن لكي تستطيع أن تشرب من الماء الذي يقدِّمه يسوع كان لا بدَّ أن تُعالج خطاياها. طلب منها يسوع أن تدعو زوجها، بالرغم من أنَّه علم أنَّ لا زوج لها. ما لم يواجه الإنسان خطيَّته ويتركها ناظرًا إلى يسوع لا يستطيع أن يُطلَق فيختبر الحياة الجديدة مع المسيح. قال يسوع إنَّ لا أحد يستطيع أن يخدم سيِّدين (متى 24:6)؛ فإنَّه هكذا ابتدأت الديانة السامرية حيث أنَّهم عبدوا الرب لكنَّهم عبدوا أيضًا آلهة أخرى أتوا بها من بلادهم (2ملوك 33:17). علينا كلُّنا أن نعترف بخطايانا وننظر إليها كما ينظر إليها الله، معتمدين بذلك على يسوع الذي يهبنا النصرة لكي نتخطَّاها. وعندما تعترف بخطيَّتك فإنّه يغفر لك ويطهِّرك منها:
"أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت: أعترف للرب بذنبي، وأنت رفعت أثام خطيتي." (مزمور 5:32)
بعد ذلك، ابتدأ الرب يخبر المرأة السامرية أَّنه مسيح اسرائيل. وأخبرها أمورًا عن حياتها لا يعرفها أحدٌ سوى الله ذكر يوحنا منها أمرًا واحدًا وهو أنَّه كان لها خمسة أزواج وأنَّ الذي تعيش معه الآن ليس زوجها. نقرأ أنَّها ذهبت إلى سكَّان البلدة قائلةً: "إنسان قال لي كل ما فعلت." لا نعرف كل قصتها بل يقدِّم يوحنا جزء منها. لا بدَّ أن المحادثة طالت لكن لم تُكتب كلُّها. لكننا نعرف أنَّ يسوع تكلَّم عن حياة الشرِّ التي سلكتها، لكنَّه أحبَّها رغم كل ذلك وقدَّم لها عطيَّة الحياة الأبدية.
برهان على الحياة المتغيِّرة
كم غمر الفرح قلبها! لم تستطع أن تتمالك نفسها إذ تركت جرَّتها (ع 28) وركضت نحو البلدة. نرى البرهان مباشرة بسبب قلبها المتغيِّر إذ أنَّها فكَّرت بالآخرين. لم تفكِّر قيد أنملة عن نبذ أهل بلدتها لها بسبب أسلوب حياتها. وشعرت أنَّه لا بدَّ لها أن تخبرهم عن يسوع وتدعوهم أن يأتوا إليه. اختفت قساوة قلبها وغُفِرت خطاياها وتخلَّصت من الذنب والعار فراحت تدقّ أبواب البيوت الواحد تلو الآخر. لقد امتلأت تلك المرأة من الروح القدس للتوّ! لم تستطع أن تتمالك نفسها. لقد تقابلت مرَّة وحيدة مع ابن الله فاختبرت محبَّته وتغيَّرت حياتها. وغدت رغبة قلبها الآنيَّة أن يقابل الآخرون ذلك الذي قال لها:"كل ما فعلت." "أيمكن أن يكون ذلك المسيَّا؟" لقد أنار الروح القدس حياتها لدرجة أن شغف قلبها وحياتها الجديدة لفتا انتباه الكثير من سامريِّي البلدة، فأتوا لملاقاة المعلِّم اليهودي. وشهِدوا بعد ذلك على أنَّهم آمنوا بداية بسبب حياتها المتغيِّرة وشهادتها قائلين: "إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ." (ع 42). لا تقلِّل البتَّة من قوَّة قصتك البسيطة عن كيف امتلك المسيح روحك وغيَّر حياتك. فكثيرون من حولنا عطشى لحياة جديدة وكلّ ما هم بحاجة إليه هو من يخبرهم بأنَّهم يستطيعون هم أيضًا أن يختبروا عطيَّة الحياة الأبدية من خلال المسيح.
لأجل من تريد أن تصلِّي بسبب حاجتهم للمسيح؟ ومع من تستطيع أن تشارك قصتك؟
ربما تودّون انهاء وقتكم الليلة بالصلاة من أجل أفراد من عائلاتكم وأصدقائكم كي يهيء الرب قلوبهم لسماع قصتكم كيف غيَّر المسيح حياتكم.
صلاة: "أيها الآب، افتح عينيّ لألاحظ العطشى روحيًّا من حولي. أعطني الكلمات الصحيحة التي تحرّك جوعهم الروحيّ لأقولها لهم. استخدمني لأجذبهم إليك، يا رب. علِّمني بأن أكون حساسًّا لإحتياجات الآخرين، وعلِّمني أن أشارك محبتك مع الآخرين. اعمل بالآخرين من خلالي. آمين."
Keith Thomas
Website: www.groupbiblestudy.com
Email address: keiththomas7@gmail.com