لمشاهدة المزيد من دراسات الكتاب المقدس باللغة العربية ، انقر هنا.
2. Why Did Christ die?
2. لماذا مات المسيح؟
من منكم رأى أحدهم يلبس قلادة على شكل مقصلة أو كرسيٍّ كهربائي؟ يبدو الأمر سخيفًا، أليس كذلك؟ بالمقابل كم منا يلبسون صلبانًا حول أعناقهم؟ لقد تعوَّدنا على رؤية ذلك فلا نعيره أي اهتمام، لكنّ الصليب كان أداة إعدام تمامًا كالمقصلة أو الكرسي الكهربائي. لماذا يلبس الناس الصليب وهو أقبح أداة إعدام اخترعها البشر؟ فحتى الرومان الذين لم يُعرفوا قط بمشاعرهم الإنسانية منعوا في العام 337م استخدام الصليب كأداة اعدام بسبب بشاعته.
يتكلّم قسمٌ كبير من الأناجيل عن موت يسوع، وعن ما حدث على الصليب. أمّا بولس الرسول فكتب في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 2:2 "لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا." عندما نفكّر بونستون تشرشل أو رونالد ريغن أو المهاتما غاندي أو مارتن لوثر كينغ فنحن نفتكر بما قاموا به خلال حياتهم، وكيف أثّروا على المجتمع. أمّا حين نقرأ العهد الجديد، فنحن نقرأ عن موت المسيح أكثر منه عن حياته. لقد غيّر يسوع مجرى التاريخ أكثر من أيِّ شخصٍ آخر وذلك من خلال موته أكثر من حياته. لماذا نركّز هكذا على موت يسوع؟ ما الفرق بين موته وموت الأميرة ديانا مثلاً أو أي شهيد آخر أو بطل حرب؟ لماذا مات؟ وماذا حقّق بذلك؟ وماذا يعني الكتاب المقدّس حين يقول إنّ المسيح مات من أجل خطايانا؟ سنجيب عن بعض هذه الأسئلة في هذه الدراسة.
المشكلة
عندما كنت أصغر سنًّا، كنت أتحدّث مع الناس على صعيد شخصي وأسألهم عن علاقتهم بالله، آملاً أن يُفتح المجال لأخبرهم عمّا فعل يسوع من أجلهم. وغالبًا ما كانوا يجيبون بأنّهم ليسوا بحاجة للمسيح، وأنّ حياتهم مليئة وكاملة وسعيدة. فيقولون مثلاً: "أحاول أن أعيش حياة جيّدة ممّا يهبني الأمل بأني سأكون على ما يرام عندما أموت." ما يحاولون قوله بالفعل هو أنّهم ليسوا بحاجة إلى مخلّص، لأنّهم يظنّون أنّهم لا يحتاجون إلى الخلاص من أيِّ أمر. لذلك هم لا يقدّرون ولا يحبّون المخلّص لأنّهم لم يقتنعوا بأنهم مذنبون وثائرون بنظر الله القدّوس. لكننا جميعنا نواجه مشكلة: "إذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 23:3)
لا أعرف عنك، لكن يصعب عليّ القول: "لقد أخطأت، أرجون أن تقبل اعتذاري." لكنِّي سريع في لوم الآخرين، وبطيء في قبول أني أخطأت. تعرف زوجتي أنّه لديَّ حسٌّ دقيق في اتباع توجيهات الطرق بسبب عملي في البحر لسنين عديدة، فتعلَّمت تحديد الإتجاه بحسب حركة الشمس. ويحدث أن أخطىء أحيانًا فأجدني متجهًا شمالاً بينما كنت أظن أنّي متَّجه غربًا.لكن يصعب عليّ الإعتراف بارتكابي للخطأ. هل تشعر قارئي بصعوبة الإعتراف بأنّك ارتكبت خطأً ما؟
علينا الإعتراف بأنَّ جميعنا نقوم بأمورٍ نعلم ضمنيًّا أنّها خطأ؛ ومعظم الناس لا يقبلون بأن يُلقى اللوم عليهم إمّا جزئيًا أو كليًّا. نجد هذا الأمر مثلاً في الاستمارات التي يملؤها الناس عندما يصطدمون بحوادث في سياراتهم. تلك الإستمارات هي المثال الأفضل لكيف يصعب على الناس تحمّل أقلَّ قسم من المسؤولية. والأمثلة التالية هي خير مثال على ذلك:
-
"لن أضع اللوم على أيٍّ من السائقين، لكن في حال ضرورة تحديد المذنب فالسائق الآخر هو المذنب."
-
"كان عامود الكهرباء يتقدّم نحوي بسرعة. حاولت الهروب منه فضرب مقدّمة سيارتي."
-
"استولى الرجل على كلّ الطريق، فاضطررت للإلتفاف عدة مرّات قبل أن أضربه."
-
"ظهرت سيارة فجأة من حيث لا أدري وضربت بشاحنتي ثم اختفت."
-
"اصطدمت بشاحنة تقلُّ القرطاسية آتية من الجهة المقابلة."
-
"قدت سيارتي خطأً إلى منزل غير منزلي فاصطدمت بشجرة لا علم لي بوجودها."
-
"قدت السيارة لأربعين سنة فغفوت وراء المقود وصار الحادث."
والآن سأدعك قارئي العزيز تقرّر بشأن من ارتكب الحادث التالي: هل هو مرحاض، أم عامل ميكانيكي، أم أستاذ لغة؟
-
"كنت في طريقي لزيارة الطبيب بسبب مشكلة في مؤخرتي عندما تعطّلت وصلتي وتسبب ذلك بالحادث."
إن كان على الناس أن يفهموا حاجتهم إلى مخلِّص، علينا أن نتطلّع إلى المشكلة العظمى التي تواجه كل من يقرأ هذه الدراسة. المشكلة هي أنَّنا جميعنا أخطأنا وأعوزنا مجد الله. أخبرني أحدهم أنَّه سيكون على ما يرام عندما تنتهي حياته لأنَّه خلَّص شخصين كانا عالقين في حطام طائرة قبل أن تنفجر. وعندما سألته ماذا سيفعل بشأن خطاياه، أجاب بأنّه لم يخطىء قط. لقد خُدِع باعتقاده أنَّ أخلاقه أفضل من أخلاق معظمهم، وبذلك سيكون على ما يرام في يوم الدينونة حين سيحاسب الله كل إنسان عن أعماله.
ويقارن معظم الناس حياتهم بحياة الآخرين؛ فمثلاً: تخيّل أنّني في الغرفة معك وأنت تقرأ هذه الدراسة، فأشير إلى أقرب حائطٍ وهو يمثّل الميزان لكلِّ البشر: نضع الأشرار في الناحية السفلية والأبرار في الناحية العلوية. من ستضع في الأسفل؟ كثيرون سيضعون أدولف هتلر، أو جوزف ستالين، أو صدّام حسين، أو ربما مديرهم في العمل؟ ها!ها! من تضع أنت في الناحية العلوية؟ ربما تقول:" الأم تريزا، الأميرة ديانا، مارتن لوثر كينغ، أو ربما بيلي غراهام." نتفق أن جميعنا موجودون على الحائط ـــــــــ كيث توماس سيكون في الأسفل وربما ستكون أنت في الأعلى. ماذا تظن يجب أن يكون المعيار الذي نتطلّع إليه؟ ربما يجيب البعض حين يرون أنَّ الأفضل بيننا هم الذين في الأعلى بأنّ السقف يجب أن يكون المعيار. لكن ليس هذا ما يقوله الكتاب المقدّس؛ تقول الآية:"أعوزهم مجد الله." إذًا المعيار هو مجد الله الذي هو يسوع المسيح ــــــ الذي هو المثال الأمجد للحياة. السقف ليس المعيار، بل السماء هي المعيار. ولم يصل أيٌّ منّا لمعيار مجد الله الذي هو يسوع المسيح، بل قد ابتعدنا كلَّ البعد عن الهدف بسبب الخطيّة. وتعني كلمة خطية في اللغة اليونانية harmatia التي يعود أصلها إلى هواية الرماية: إن لم تصب النقطة المستهدفة فأنت تخطىء (harmatia) الهدف وتكون أبعد ما يكون عن الكمال. وأعتقد أننا جميعنا قد أخطأنا الهدف. ليس أحدٌ جيدًّا بما فيه الكفاية ــــــــ جميعنا أعوزنا بلوغ الهدف! إن كنا نقارن أنفسنا باللصوص المسلّحين أو بالذين يتحرشّون بالأطفال أو حتى بجيراننا فلا بدّ أن ننجح. لكن، عندما نقارن أنفسنا بيسوع المسيح نجد أنّه يعوزنا الكثير لنصل إلى المعيار المطلوب. وقالت سومرست موغهام مرّة:"إن كنت أكتب كل فكر إفتكرت به أو كلّ عمل قمت به، سينعتني الناس بالوحش الفاسد."
إنّ أساس الخطيّة هو التمرّد ضد الله (تكوين 3)، وكانت النتيجة أننا انقطعنا عنه؛ نجد أنفسنا تمامًا كالإبن الضال (لوقا 15)، بعيدين عن بيت الآب وحياتنا في فوضى عارمة. ربما يقول أحدهم:"لا يهم إن كنا جميعنا في المركب ذاته، أليس كذلك؟" أمّا الجواب فهو أنّه يهم بسبب نتائج الخطية في حياتنا والتي تتلخّص في أربع نقاطٍ: تلوّث الخطيّة، قوّة الخطيّة، عقاب الخطيّة، والإنفصال بسبب الخطيّة.
1تلوّث الخطيّة
ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ ذلِكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ هذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ». مرقس 20:7-
23
ربما تقول: "أنا لا أفعل معظم هذه الأمور." لكن، واحدة منها كافية لتحدث فوضى في حياتنا. ونتمنى لو كانت الوصايا العشر كورقة الإمتحان حيث يُطلب منّا أن نختار أي ثلاثة منها، لكن يقول العهد الجديد إننا إن نكسر أي جزء من الناموس نصبح مجرمين في الكل (يعقوب 10:2). مجرّد خطية واحدة هي كافية لتلويث حياتنا والقضاء على الأمل بالوصول إلى الكمال. فمثلاً، لا يمكنك الحصول على سجلّ عدلي "لا جرم عليه تقريبًا"؛ فإما أن تكون بريئًا وإمّا لا. وأية جنحة صغيرة كافية لجعله أسود. وهكذا هي الحال معنا: فأية خطية صغيرة تجعل حياتنا ملوّثة. كم مرّة عليك أن ترتكب جريمة مثلا لتصبح مجرمًا؟ بالطبع، مرّة واحدة. وكم مرّة عليك أن تكذب لتصبح كاذبًا؟ مرّة واحدة! وكم مرة على الإنسان أن يخطىء ليصبح خاطئًا؟ طبعًا، الجواب هو مرّة واحدة. وأخطاؤنا تلوّث حياتنا.
3. قوّة الخطيّة
"أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ." (يوحنا 34:8)
غالبًا ما تتسلّط علينا الأمور الخاطئة التي نقوم بها فندمن عليها. فعندما كنت مدمنًا على المخدّرات، كثيرًا ما كنت أشعر بثقل الإدمان وكم يدمّر حياتي. وحاولت أكثر من مرة التوقّف عن تعاطي المخدّرات، إلاّ أنني كنت أعود وأشتري المزيد. يُقال إن الماريوانا لا تتسلّط على الإنسان، إلا أنِّي وجدت العكس ولم أستطع التخلّص منها إلاّ بعد أن سلّمت حياتي للمسيح. والإدمان ممكن أن يكون متعدّد الأنواع كالإدمان على المزاج الحاد، والحسد، والتعجرف، والكبرياء، والأنانية، وتشويه سمعة الآخرين، والإدمان على الجنس. كما يمكن أن ندمن على أسلوب تفكيرٍ معين أو تصرّف ما ويصعب علينا تركه؛ هذه هي العبودية التي تكلّم عنها يسوع. فللأعمال التي نقوم بها والخطايا التي تسيطر على حياتنا قوّة علينا تجعلنا عبيدًا لها.
كتب المطران ج.س. رايل، مطران ريفربول السابق:
"كلُّ أنواع الخطايا تكبّل أيدي وأرجل مرتكبيها التعساء الذين يتباهون أحيانًا بأنّهم أحرار. لا توجد عبودية أسوأ من ذلك! والخطية هي أقسى الأسياد؛ أمّا العملة التي تدفعها لعبيدها فهي التعاسة وخيبة الأمل في الحاضر، واليأس والجحيم في المستقبل."
3. عقاب الخطيّة
" لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ." (رومية 23:6)
نشرات الأخبار هي من الأمور التي تدفعني للصلاة. وعندما أسمع عن أمٍّ تقتل أو تعنّف أولادها عمدًا، أطالب بالعدالة. وعندما أُحتجز في زحمة سير وأرى بعض السيارات يسيرون بسرعة في الجهة المقابلة خارقين قانون السير، أغضب وأتمنى لو أن السلطات تتعقبهم. أمّا عندما أتأخر عن العمل، فأقود السيارة بسرعة جنونية لألحق بموعد إجتماع الموظّفين، فهذه مسألة أخرى. عندها لا أعود أطالب بالعدالة بل بالرحمة والنعمة ولا أريد أن يوقفني الشرطي. يا لها من مراءاة! جميعنا يعلم أنّ على الخطية أن تُعاقب. فالقوانين وُجدت لتقود حياتنا بطريقة سليمة، ومن يُخطىء يُعاقب. هناك أجرة للخطية، تمامًا كما نحصل على أجرة عند نهاية كلِّ شهر مقابل العمل الذي نقوم به. وهذا ما يفعله الله، فلكونه عادلاً فإنّه يعطينا أجرة مقابل حياة الخطيّة التي نعيشها؛ والأجرة هي الإنفصال عن الله أبديًّا ــــــــ هذا الإنفصال الذي يسمِّيه الكتاب المقدّس الجحيم. بإختصار، أجرة الخطيّة هي موت أي انفصال أبديّ عن الله.
4. الإنفصال بسبب الخطيّة
"هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ." (إشعياء 1:59)
حين كتب الرسول بولس أن أجرة الخطية هي موت، لم يعنِ بذلك الموت الجسدي فحسب بل كما قال النبي إشعياء فإنّ الخطيّة تفصلنا عن الله. هذا هو الموت الروحي الذي يصل بنا إلى الإنفصال الأبدي عن الله. إنّه شعور نختبره في هذه الحياة بسبب الخطيّة، لكن هذا ما سيصبح واقعنا حين ننتقل من هذا العالم.
الحــــلّ
جميعنا بحاجة إلى مخلِّص ليفدينا من نتائج الخطيّة في حياتنا. وقد كتب اللورد تشانسلر، وهو لورد ماكاي، إنكلترا:
" إنّ محور إيماننا هو الذبيحة التي قدّمها الرب يسوع المسيح بنفسه على الصليب... وكلّما ازداد وعينا لمدى حاجتنا لمخلّص، كلّما ازدادت محبتنا له ورغبتنا في خدمته."
الأخبار السارّة التي تحملها المسيحية هي أنّ الله رأى معضلتنا العالقين بها، فاتخذ الخطوات اللازمة لحلِّها. وكان الحل أن أخذ هو مكاننا: الله نفسه نزل إلى أرضنا بشخص يسوع المسيح ليأخذ مكاننا. وسمّى جون ستوت الكاتب الشهير هذا التنازل بِ "استبدال الله لنفسه". أمّا بطرس الرسول فوصف ذلك كاتبًا:
" الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. " (1بطرس 24:2)
1. استبدال الله لنفسه
ماذا يعني أن يستبدل أحدهم نفسه؟ حكى أرنست غوردون هذه القصة الحقيقية في كتابه "أعجوبة على نهر الكواي" عن مجموعة من سجناء الحرب العالمية الثانية كانوا يعملون في سكة حديد "بورما". وكانت عدّة العمل تُجمع من جميع العمّال عند نهاية كل يوم. وحدث مرّة أن أحد الجنود اليابانيين صرخ قائلاً بأن أحد المناجل مفقود. أخذ يصول ويجول ويتهدّد ويتوعّد ويطلب من الذي أخذه بالتقدّم إلى الأمام. لم يتحرّك أحدٌ. فجهّز بندقيته ووجّهها نحو الجنود وهو يصرخ: "سيموت الجميع! سيموت الجميع!" عندها تقدّم رجل للأمام، فضربه الجندي ببندقيته حتى الموت من دون أن ينبس الرجل ببنت شفة. وعندما رجعوا إلى المخيّم، عُدّت المناجل من جديد ولم يكن أي منها مفقودًا. لقد تقدّم هذا الرجل بدلاً من الجميع ليفديهم. هذا تمامًا ما فعله يسوع إذ تقدّم إلى الأمام وروى عطش العدالة ومات بدلاً عنّا.
2. عذاب الصليب
احتمل يسوع الصلب بدلاً عنّا، وقد وصف شيشرون الصلب كَ "أبشع وأوحش طرق التعذيب." نزعوا ثياب يسوع وقُيِّد إلى عامود حيث ضُرِب بسوط جلديّ مشبوك أربع أو خمس مرّات معلقة به قطع من العظام والحديد. (وصف مؤرّخ القرن الثالث يوسيبوس طريقة الجلد الرومانية كالتالي: "كانت الضحية تُضرب حتى تبان عروقها وعضلاتها وأوتارها وأمعائها.") وأُخِذ يسوع إلى الباحة الخارجية من الحصن حيث وضعوا إكليلاً من الشوك على رأسه، واستهزأ به ستمائة جنديا من الكتيبة الرومانية وضربوه على وجهه ورأسه. ثم حمّلوه صليبًا على كتفيه الداميتين حتى انهار أرضًا فطلبوا من سمعان القيراوني أن يحمله.
حين وصلوا إلى مكان الصلب، جُرِّد من ثيابه وجُلِد ثانية. ثم علِّق على الصليب ودُقّت مسامير سميكة في يديه، ووُضعت ركبتاه بشكل جانبي ليدقّوا المسامير في رجليه. ثم رُفع الصليب وأُنزل في حفرة معدّة له. وتُرك يسوع هناك يصارع الحر والعطش الشديدين، بينما يستهزأ الجمع به. بقي على هذه الحال لست ساعات في ألم مبرح بينما يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم يكن العذاب الجسدي الجزء الأصعب، أو حتى الألم النفسي لكونه رُفض من العالم وتركه رفاقه، لكن العذاب الروحي بسبب انفصاله عن الآب بسببنا إذ حمل خطايانا.
وبسبب عمل يسوع الكامل على الصليب، وقد دفع الثمن الكامل لخطايانا، يهب الله الغفران الكامل اللذي يقبله. لقد أرانا يسوع أنه ليس بعيدًا عن الألم بل قد احتمل هو بنفسه ما نستحق نحن أن نحمله. لقد مات بدلاً عنا، واظهر الله محبته على الصليب.
" لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يوحنا 16:3)
النتيجة
يقدّم لنا الكتاب المقدّس أربع صور عما فعله يسوع من أجلنا على الصليب:
"وَأمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ." (رومية 21:3-26)
1. الصورة الأولى هي صورة الهيكل
"الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ" (ع 25)
كانت في العهد القديم قوانين صارمة لكيفية التعامل مع الخطايا؛ فكانت هناك أنواع من الذبائح التي دلّت على جدّية الخطية وضرورة التطهّر منها. فكان المذنب ينتقي حيوانًا من دون شائبة ويضع يديه عليه ثم يعترف بخطاياه. هكذا تنتقل الخطايا من الخاطىء إلى الحيوان ثم يُذبح الحيوان. تشير هذه الصورة إلى أن الخطية تعني الموت، وأنّ المخرج الوحيد كان في موت البديل. لذلك صّرح يوحنا المعمدان بالتالي حين رأى يسوع: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!" (يوحنا 29:1)
2. الصورة الثانية هي صورة السوق
"مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (ع 24)
الدين ليس مشكلة معاصرة، بل كانت مشكلة العالم القديم أيضًا. وإن أغرقت أحدهم الديون كان لا بدّ له أن يبيع نفسه. وتخيّل أن يأتي صديق ما إلى السوق بينما المديون يبيع نفسه، فيسأل عن الثمن. وتخيّل أن يدفع ثمنه ويعتقه فيكون بذلك قد افتداه. بالطريقة نفسها دفع يسوع "ثمن فدائنا" ليشترينا من سوق عبودية الخطية.
3. الصورة الثالثة هي صورة المحكمة
"مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ" (ع 24)
يستخدم بولس الرسول عبارة "متبررين مجانًا". والتبرير هي عبارة قانونية ، فإن مثلت أمام القضاء ووُجدت بريئًا فأنت مبرر.
إليكم القصّة التالية: درس صديقان في المدرسة نفسها والتحقا بالجامعة نفسها فتوطّدت أواصر الصداقة بينهما. وبعد التخرّج افترقا وفقدا الإتصال بأحدهما الآخر. انتهى الأمر بهما بأن أصبح الأوّل قاضيًا والثاني مجرمًا. في يوم من الأيام مَثَلَ المجرم أمام القاضي رفيقه بعد أن ارتكب جنحة. عرف القاضي رفيقه، ووقع في حيرة من أمره؛ كان عليه أن يتصرّف بعدل ولا يبرِّىء رفيقه المذنب، لكن لم يرد إنزال العقاب بصديقه لأنّه يحبّه. أعلن لصديقه أنه سينال العقاب المتوجّب عليه، ثم نزل من على المنصّة وحرّر شيكًا بالمبلغ المتوجّب على صديقه دفعه ثم قدّمه له. هذه هي المحبّة.
توضح هذه القصة ما فعله الله لأجلنا. فبسبب عدالته، أنزل بنا القصاص، لكن بسبب محبته أتى في شخص ابنه الرب يسوع ودفع ثمن خطايانا. فكان بذلك "العادل" (لأنّه لم يبرِّىء المذنب) و"المبرّر" (إذ حمل عقاب خطايانا وحرّرنا في شخص ابنه). (رومية 26:3)
-
لكن، القصّة أعلاه لا توضح الواقع تمامًا لثلاثة أسباب:
-
أولاًّ: المأزق الذي نحن فيه أسوأ بكثير، والعقاب الذي نواجهه ليس مجرّد مبلغ ماليّ فحسب، بل الموت الروحي وليس الجسدي؛ أي الإنفصال الأبدي عن الله.
-
ثانيًا، العلاقة أقرب بكثير فهي ليست مجرّد علاقة بين صديقين، بل مع الآب السماوي الذي يحبنا أكثر من أيِّ أبٍ أرضي.
-
ثالثًا، الثمن كان أكبر؛ فالأمر لم يكلّف الله مجرّد بعض المال، بل كلّفه ابنه الوحيد الذي دفع ثمن خطايانا. الله نفسه هو الذي خلّصنا وليس فريقًا ثالثًا بريئًا.
-
الصورة الرابعة هي صورة المنزل
"أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ." (2كورنثوس 19:5)
حصل معنا تمامًا كما حصل مع الإبن الضال. لقد صالحنا الله معه وغفر خطايانا بشرط أن نقبل عطية المحبّة والنعمة هذه. لقد أخذ مكانك ليحرّرك مجّانًا. هل تقبل عفوه عنك؟
في العام 1829، سرق رجل من ولاية فيلادلفيا يدعى جورج ولسون مكتب البريد، وقتل رجلا. فتمّ اعتقاله ووُجد مذنبًا بعد مثوله أمام المحكمة، وصدر الحكم بإعدامه شنقًا. حاول بعض أصدقائه الوصول إلى رئيس الجمهورية آنذاك أندرو جاكسون وحصلوا على عفوٍ منه. لكن، عندما علِم جورج ولسون بالأمر رفض قبول العفو! لم يقبل الضابط الموكّل بعملية الإعدام القيام بها بموجب العفو الصادر، فكيف له أن يعدم شخصًا معفًى؟ رُفعت القضية مجددًا إلى رئيس الجمهورية، فاحتار في أمره ورفع الموضوع الى المحكمة العليا للولايات المتحدة للبتِّ في المسألة. فحكم القاضي بأن العفو هو مجرّد ورقة إذا لم يتم قبوله.يصعب التصديق بأنه يمكن لأحدهم أن يرفض عفوًا يصدر بحقه. لكن العفو ليس عفوًا حتى يتم قبوله! وقد تمَّ إنزال عقوبة الإعدام بجورج ولسن، وتُرِك قرار العفو مرميًّا على مكتب الضابط المسؤول. ماذا ستفعل بالعفو الكامل المقدّم لك من رب الكون والقاضي الأكبر؟
ويُخبر القس الأميركي جون ويمبر كيف أصبح الصليب حقيقة بالنسبة له: "بعدما درست الكتاب المقدّس لحوالي ثلاثة أشهر تعلّمت القليل عن الصليب إذ عرفت أنه هناك إله واحد في ثلاثة أقانيم. وعرفت أن يسوع هو الله وإنسان في آنٍ معًا وهو مات على الصليب من أجل خطايا العالم. لكني لم أدرك أني خاطىء. كنت أظن أني كباقي الرجال الآخرين وقد ارتكبت بعض السهوات هنا وهناك فحالتي ليست بهذا السوء. لكن في إحدى الأمسيات، قالت لي زوجتي:"أعتقد أنه أن الآوان لكي نتخذ قرارًا بالنسبة للأمور التي نقرأها." رحت أنظر إليها كالمصعوق، إذ فجأة ركعت على الأرض وأخذت تصلِّي وبدا لي أنّ صلاتها وصلت إلى السقف فقط. "يا رب، سامحني عن خطاياي."
لم أصدّق ما سمعته أذناي، فزوجتي كارول كانت أفضل مني بكثير وها هي تقول بأنّها خاطئة وتصلِّي بدموع مردّدة: "أنا متأسفة عن كل خطاياي." نظرت إلى الجالسين معنا في الغرفة وكانت عيونهم مغلقة وفجأة خطرت في بالي فكرة: لقد صلّوا جميعهم هذه الصلاة من قبل! وبدأ العرق يتصببني وخلت أني سأموت لكني فكّرت: "لن أفعل هذا. إنها سخافة وأنا رجل صالح." لكني تنبّهت إلى أن كارول لا تصلّي للسقف بل لشخصٍ؛ لله الذي بإمكانه أن يسمعها. فبالمقارنة معه علمت أنها خاطئة وبحاجة للغفران. وفي لحظة بدا صليب المسيح حقيقة لي. وتوضّح أمام ناظري بأني أذيت مشاعر الله. لقد أحبني وأرسل ابنه من أجلي، لكني رفضت محبته طيلة حياتي.
كنت خاطئًا بحاجة ماسة للغفران ولأجل كل ما فعله المسيح على الصليب. فركعت على الأرض والدموع تنهمر من عيني بغزراة والعرق يتصببني. ورحت أصلي وكنت أشعر كأني أتكلّم مع شخص كان معي كل حياتي ولم أنتبه لوجوده. تكلّمت مع الله الحي كما فعلت كارول بجانبي واعترفت له بخطاياي. وكل ما استطعت قوله كان: "آه يا رب، آه يا رب!" شعرت أنّ تغييرا عجيبًا يحدث في داخلي، ورحت أفكّر: "أرجو أن يكون الأمر صحيحًا لأني أكشف مكنونات نفسي أمام الآخرين." ثم ذكّرني الرب بشخص اعتبرته غريب الأطوار كنت قد التقيته في ساحة برشنغ في لوس أنجلوس كان يلبس قميصًا طُبع عليه:"أنا مختلّ من أجل المسيح. من أجل من أنت مختل؟" وبينما كنت راكعًا أدركت معنى سؤاله: الصليب هو جهالة: " فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ." (1كورنثوس 18:1).
في تلك الليلة، ركعت عند الصليب وسلّمت حياتي ليسوع، وصرت منذ تلك اللحظة مختلاً للمسيح."
ماذا عنك قارئي العزيز؟ ألم يأتي الوقت لكي تصليَّ لله الذي يحبك ودبّر وسيلة لغفران خطاياك. ربما تريد أن تصلِّي هذه الصلاة بكل صدق:
"يا رب، إني متأسّف على كل الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي. (اصرف بعض الوقت لطلب المغفرة عن أمور تتذكرها.) أرجوك أن تسامحني. أريد أن أترك كل ما هو خطأ. وأشكرك لأنك أرسلت ابنك يسوع ليموت بدلاً عني على الصليب. أريد أن أتبعك وأطيعك كالسيد على حياتي، وأشكرك لأنك تهبني نعمة الغفران والروح القدس. تعال إلى قلبي فأنا أريد أن أكون لك إلى الأبد. أصلِّي باسم وسلطان الرب يسوع المسيح."
اقتُبست الكثير من الأفكار الموجودة في هذا الدرس من دراسة "ألفا" بقلم نيكي غمبل.
كذلك فإني أنصح بقراءة كتاب "أسئلة عن الحياة"، طباعة دار نشر كنغزواي
إعداد: كيث توماس
بريد الكتروني: keiththomas7@gmail.com
موقع إلكتروني: www.groupbiblestudy.com