لمشاهدة المزيد من دراسات الكتاب المقدس باللغة العربية ، انقر هنا.
7. The Truth About Hell
7. حقائق عن الجحيم
سؤال للتفكير: إن وقّع رئيس الجمهورية غدًا بيانًا بــإلتحاقنا جميعًا في الجيش لخوض الحرب، وإن سُنحت لك الفرصة لتختار نوع العمل الذي ستقوم به، فماذا تختار؟
المعركة غير المنظورة التي تُحاك ضدّنا
لقد تمّت دعوتنا جميعًا لخوض الحرب التي ما زالت تدور رحاها على مدى العصور. وليست هناك أية وظائف بعيدة عن الخطوط الأمامية. المعركة تدور من حولنا، ونحن في وسط العراك. وقد كتب بولس الرسول عن هذه الحرب في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: "لأَنَّنَا وَإِنْ كنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ. إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِــاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ." 2كورنثوس 3:10-4. عندما يقبل الإنسان المسيح فإنّه ينضمّ إلى جيش الله. فإنت كنت مؤمنًا بالمسيح، أنت مدعو لخوض معركة ذات مفاعيل كونية وأبدية. وإن كنت لم تقبله بعد، فاعلم أنّه تدور معركة غير مرئية ستؤثّر على مصيرك الأبدي. والكثير من المؤمنين يؤثرون البقاء في صفوف المدنيين خلال أيام الحرب.
حين نشبت الحرب العالمية الأولى في العام 1914أرسلت وزارة الدفاع في لندن برقية إلى إحدى الجهات في إحدى مناطق إفريقيا النائية مفادها: "أُعلنت الحرب، أُقبضوا على كل الغرباء الأعداء في محيطكم." فأتى الجواب السريع:"تمَّ القبض على عشرة ألمان، ستة بلجيكيين، أربعة فرنسيين، إيطاليين، ثلاثة نمساويين، وأميركي واحد.نرجو إعلامنا حالاً ضد من نحن نخوض الحرب؟" أمّا الكتاب المقدّس فواضح تمامًا بالنسبة إلى ضد من نحن نخوض حربنا: إنّه العدوّ العتيق!! "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ." أفسس 12:6
ويفضّل معظمنا العمل في الصفوف الخلفية عند إندلاع الحرب حيث لا نكون نحارب عمليًا، لكن ذلك ليس ممكنًا. إنك موجود على الخطوط الأمامية. وهناك حرب مستعرة ضدّك وضدَّ من تحب. وأعداؤنا غير منظورين يعملون تحت إمرة قائدهم إبليس. وهم منظّمون، ذوو هدف، لا يكلّون ولا يملّون.
ما هي أهم الأسباب لخوض الدول للحروب؟
هناك أسباب عديدة تنطبق على أيامنا الحاضرة، لكن في الأيام الغابرة انطوت الأسباب على تملّك الأرض والغنيمة والعبيد. وعندما كانت تُستملك الأرض كانت الغنيمة تُقسّم بين المنتصرين. وأبناء الله يهاجمون حصون إبليس ويحرّرون من استعبدهم في قبضته إذ يخبرنا الكتاب المقدّس أنّ العالم هو تحت سيطرة إبليس:" نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ." (1يوحنا19:5)
ماذا لو رفض أحدهم أن يتوب؟
واجب الكنيسة في هذا العصر هو إنقاذ العالم من قبضة إبليس ومساعدتهم ليصبحوا تلاميذ للمسيح حتى لا ينفصلوا عن الله إلى الأبد ويكون مصيرهم الجحيم. والله يحب الجميع وهو لا يريد أن يهلك أي أحد بل أن يقبل الجميع إلى التوبة (2بطرس9:3). لكن ماذا لو لم يتوبوا؟ ماذا لو ماتوا من دون أن يتعرّفوا بالمسيح؟ ماذا لو لم يتجاوبوا مع رسالة الله الممتلئة بالمحبة والأخبار السارّة؟ عند مجيء المسيح ثانية سيفصل الخراف (المؤمنين) عن الجداء (غير المؤمنين)، ونُخبر أن البعض سيُعاقبون لمدى الأبدية:
«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،
لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِـي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِـي.
كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِـي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِـي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِـي.
حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِــي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».متى 41:25-46
استنتج بيتر فنويك بعد مقابلة 350 شخصًا ممن اختبروا صدمة أو مرض عضال أن 5% منهم اختبروا الجحيم بوضوح. وفي الدرس الأول كنّا قد ذكرنا كتابًا بعنوان "حياة بعد الحياة" بقلم د. ريموند أ. مودي طال 150 شخصًا اختبروا الموت ثم عادوا إلى الحياة. كذلك، فإنّ د. موريس رولينغ يذكر في كتابه "عودة من الجحيم" أشخاصًا اختبروا الجحيم، لكن ما فتئوا أن طمروا تلك الذكرى خلال أيام قليلة. قال إنّ الناس يتذكّرون عمومًا الأمور الجيّدة، وينسون الأمور السيئة. لذلك فإن أُرجئت المقابلة قليلاً فإنه بعد أيام أو أسابيع أو أشهر تبقى الذكريات الإيجابية فقط (ص33). وأستشهد من ص 72 التالي:
"كنت أنا (د.رولينغ) أراقب جهاز القلب لمريضي عندما توقّف قلبه. ويذكر المريض قصته كالتالي: "فقدت الوعي ثم ضربتني يا دكتور على صدري قائلاً: "عفوًا منك". وكان أحدهم يصرخ. ثم وقع شيء ما على كتفي الأيسر، وجنّ جنون الجميع. فقدت التواصل وكنت أهيم بسرعة في ظلمة حالكة. كان الهواء يصفر بينما كنت أسارع باتجاه ذلك النور الجميل الملتهب. ثم بدأت جدران النفق تحترق، وكان في نهاية النفق بحيرة مشتعلة وكأنك تصب الزيت عليها. ورأيت أخيلة طويلة لأناس هائمين كما الحيوانات في حديقة الحيوان. ورأيت في أسفل التلّة صديقًا كان قد توفّي؛ وكل ما أذكر هو أنهم كان يجرّون النهر صوبه فصرخت:"مرحبا، جيم". نظر إلي ولم يبتسم حتى. بدأوا بأخذه للناحية الأخرى فأخذ بالصراخ: رحت أركض، لكني لم أجد منفذًا أخرج منه. وكنت أردّد:"يسوع هو الرب. يسوع هو الرب!" فجأة عدت إلى جسدي، وكنت تقطّب جراحي."
ونجد حادثة أخرى في ص 75:
"اقتُدت إلى مكان في العالم الروحي يُدعى الجحيم. إنه مكان العقاب لكل الذين يرفضون يسوع المسيح. لم أرَ الجحيم فقط، بل شعرت بعذاب الذين هناك. الظلام حالك بشدة؛ إنه ذلك الظلام الأسود التام والكئيب والكثيف والثقيل والذي يشعرك بالوحدة اليائسة. الجو حار وجاف، وعيناك تلتهبان كأنهما جمرتين مشتعلتين في مقلتيك. ولسانك وشفتاك مشققون وجافون بشدّة بسبب قوة الحرارة... ليس بالإمكان وصف الوحدة في الجحيم.
ونجد الحادثة التالية في ص 37:
"كنت (د. رولينغ) أنعش أحد المرضى عندما حدث التالي: أدخلت القسطلة في كتف تشارلي وعملت لكي أصل بها إلى قلبه الذي توقّف فجأة فبدأت بالضرب على قلبه لكن بدأ الدم بالتدفّق فتوقفت لإحكام القسطلة. وبينما كنت أعمل، انقلبت عيناه وبصق وتحوّل لونه إلى أزرق ثم بدأ بالإرتجاف. حدث ذلك عدّة مرّات. وحين توقّفت لأعيد تثبيت القسطلة صرخ تشارلي قائلاً: "لا تتوقّف، لا تتوقّف. أنا في الجحيم. أنا في الجحيم. لا تتوقّف حبًّا بالله. ألا تفهم؟ ففي كل مرّة تتوقّف أعود إلى الجحيم." شعرت بالإستياء عندما طلب مني أن أصلِّي من أجله فطلبت منه أن يسكت إذ أنا طبيب ولست رجل دين أو طبيبا نفسيًا. ورمقتني الممرضة تلك النظرة التي تسأل:"ماذا ستفعل؟" عندها ارتجلت صلاة "اصطناعية" وجعلته يرددها ليكفّ عني: "قل، يا يسوع المسيح نجِّني من الجحيم." وحصل أمر عجيب إذ لم يعد ذلك المجنون الجاحظ العينين. عندها، آمنت، أنا (د.رولينغ)، بالمسيح." .
د. رولينغ ليس لاهوتيًا أو رجل دين، بل هو طبيب غير متحيّز كتب عن اختبارات مرضاه الذين أنعشهم.
هل الموت هو الفناء؟
يقول البعض إنّ الجحيم هو المكان الذي يتم فيه فناء أي إنسان لم يقبل غفران الله المجّاني. وكلمة فناء تعني:"الإنحلال إلى حالة من الفساد التام أو اللاوجود؛ أو الهدم الكليّ." وفي المقطع السابق، إستخدم يسوع مرتين الكلمة اليونانية aiōnios ليصف سعادة أتباعه والتي تعني: "أبدية وباقية. الحياة الأبديّة تعني الحياة المنبثقة من الله ولذلك هي لا تتأثّر بمحدودية الزمن." ولا يمتّ ذلك التعريف بالفناء قط. وتعليم يسوع واضح أنّ كلّ من يرفض الإنجيل ويستمر في الخطيّة سيتعذّب من عقاب أبدي. تخبر سفتلانا ستالين، ابنة جوزف ستالين الذي ترأّس قيادة روسيا من العام 1922-1953 أنها عاينت والدها وهو يحتضر وتقول إنّها لن تجلس قط بالقرب من إنسان غير مؤمن يحتضر. قالت إنّه ذهب إلى الجحيم وهو يصرخ ويرفس. "مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!"(عبرانيين 31:10). ويُقال إنّ فولتير مات وهو يصرخ متعذّبًا. كذلك حدث مع ملك فرنسا شارل التاسع، ودايفيد هيوم، وتوماس باين. أمّا عن الذين يعرفون الله، فقال س.م. ورد:"لم يُعرف قط عن مؤمن أنكر إيمانه على فراش الموت."
لماذا يُرسل إله محب الناس إلى الجحيم؟
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ." (يوحنا 16:3-18)
لقد قدّم الله طريق الخلاص، بينما الجنس البشري بأكمله هو في القارب نفسه: لقد أخطأنا جميعنا وأعوزنا مجد الله. لا يستطيع أيّ منا أن يقول إنّه لم يخطىء قط. فإن أخطأت مرة واحدة فقط، هذا كافٍ ليجعلك خاطئًا. وجميعنا نعاني من المرض نفسه. والخطية تفصلنا عن الله إلى الأبد. وجميعنا نقف مذنبين أمام الله. ويفسّر يعقوب الأمر كالتالي: "لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ."(يعقوب 10:2). لو كانت هناك وسيلة أخرى ليدخلنا الله إلى السماء غير إرسال ابنه ليموت بقساوة وعذاب ألم يكن قد استخدمها؟ لقد أعطى الإنسان حرّية الإختيار، لكن عدالته تتطلّب أنّ المتمرّد يُدان. ولا يمكن لله القدّوس أن يدع الخطية في محضره، لذلك هو يحترم قرار المتمرّد في عدم توبته.
لقد بادر الله بخطّة إنقاذ للجنس البشري بسبب محبتّه: يتجسّد ابنه ويأخذ مكان الإنسان المذنب فيحمل القصاص عنه. هكذا تتم عدالة الله ويطال الإنسان بمحبته ويخلّص كل من يقبل إليه ويطيعه.
عندما نتوب ونؤمن بالمسيح، يعطينا الروح القدس القوة لنحيا للمسيح ونجيب الآخرين بشجاعة ونكلّمهم عن خطّة الله الإنقاذية للجنس البشري. ونحن نهاجم مملكة إبليس عندما نتكلّم بحقائق كلمة الله التي تقول بأن الشيطان يحاول أن يسرق لآلىء الله الثمينة (ملاخي 17:3)، أو ممتلكاته الثمينة وهي حياة الناس التي مات المسيح من أجلهم. نخوض حربًا ضد إبليس لنحرر الأسرى من قلعته. والكنيسة تهاجم اليوم لكسر كل مقاومة يشنّها العدوّ ضد الكنيسة. نقرأ في متى 18:16 أنّ أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة. والأبواب تشير إلى مقاومة العدوّ. وأبواب الجحيم لن تقوى على مقاومة كنيسة الله التي تعمل على جلب أناس غالين إلى منزلهم الأبدي.
إلى أي مدى من السوء يجب أن يكون الإنسان ليستأهل الجحيم؟ ما هو الخط الفاصل؟
"وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" رؤيا 8:21
أريد توضيح هذه الآية التي تعلّم أن الخائفين والكاذبين وغير المؤمنين سيكون مصيرهم البحيرة المتقّدة بالنار والكبريت. والصورة التي يرسمها الكتاب المقدّس واضحة جدًا. لقد تكلّم يسوع عن الأبدية كثيرًا، ونبّه أتباعه من جهنم لأنه لم يرد أن يذهبوا إلى هناك. لا أعلم إن كانت البحيرة المتقّدة فعلية، أو صورة تشبيهية، أو حالة. أنا شخصيًا لا أهتم أن أعرف. مهما تكن، فما نعلمه هو أنّ البحيرة المتقّدة ممتلئة عذاب ودمار. والكتاب المقدّس يصف الجحيم بالمكان المملوء عذاب ودمار وأيضًا بمكان الظلمة الأبدية (يهوذا 13:1). أمامنا خياران؛ إمّا النور أو الظلمة. وسنسكن في إحداها في الأبدية. فكّر في طبيعة النور والظلمة: النور يقدّم الصحّة والعافية وهو حاجة أساسية للنبات. النور يضيء ويُظهر الأمور ويغذّي ويقدّم الحياة. بينما الظلمة تخبىء وتغطي؛ إنها غياب الضوء. ويخبرنا علماء النفس أنّ البقاء في الظلمة لمدّة طويلة يسبّب الإكتئاب وأمراضا أخرى. فليس صحيًّا أن يعيش الناس في مكان مظلم، وبحيرة النار ستكون مكان الظلمة. والتكلّم عن هذا الموضوع غير مرغوب به في يومنا هذا. من يستحق الذهاب هناك؟ دعوني أسألكم: كم مرة على الإنسان أن يرتكب جريمة لكي يصبح مجرمًا؟ مرّة واحدة! وكم مرّة على الإنسان أن يكذب ليصبح كاذبًا؟ مرّة واحدة! وكم مرّة على الإنسان أن يخطىء لكي يصبح خاطئًا؟ مرّة واحدة! جميعنا بحاجة إلى مخلّص، وليس أحد غير يسوع بمقدوره أن يخلّصك من عقاب الخطيّة.
بداية الطريق لوصولنا إلى الله هي الإعتراف بحاجتنا لمخلّص. وقد فسّر ذلك بولس الرسول بقوله: "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ." (رومية 10:3-12) . وتابع بولس كلامه قائلاً إنّه لن ينال أحدٌ التبرير بسبب أعماله (الناموس، ع20). قال إنّ التبرير عن غير طريق حفظ الناموس قد أُعلن وهو من خلال موت المسيح بدلاً عني وعنك. وأنت تنال هذا التبرير عندما تتوب عن خطاياك وتدع يسوع المسيح يتربّع على عرش حياتك. هذه هي الطريقة الوحيدة لتهرب من مكان العذاب (أعمال الرسل12:4). وعندما تفعل ذلك يُكتب اسمك في سفر الحياة الذي يحوي أسماء الذين سلّموا حياتهم للمسيح وقبلوه ليغفر خطاياهم. أمّا الذين أسماءهم غير موجودة في السفر فسيتعذّبون في بحيرة النار:
"وطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.
وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ." (رؤيا يوحنا 14:20-15)
فَهُوَ أَيْضًا سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ اللهِ، الْمَصْبُوبِ صِرْفًا فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ. وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلاً لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ اسْمِهِ.(رؤيا يوحنا 10:14-11)
سوف يُدان غير المخلّصين بموجب مدى المعرفة التي تلقّوها.
أعتقد أنّ هناك درجات مختلفة من العقاب في ذلك المكان الرهيب. وذكر اتشاك سويندول عن درجات العقاب في الجحيم:
"هناك من لن يتلقّوا معلومات روحيّة كالآخرين. وبما أنّ الأمر كذلك، فإني أعتقد أنّ هناك درجات من العقاب الأبدي. وقبل أن ترجموني انظروا بالتدقيق إلى كلام يسوع:
وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا.
وَلكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ.(متى 47:12-48)
"دعونا نفهم أنّ من دون المسيح لن يقضي أحد الأبدية في السماء. لكن، تفاصيل كيف سيتعامل الله مع الذين هم من دون المسيح لأنهم ربما سمعوا القليل تظهر في نوعية القصاص الذي سيتلقّونه. لكننا نعرف على التأكيد أنّ السماء لن تكون موطنهم."
وعلينا أن ننتبه لمدى التأثير الذي لنا؛ فكلّما ازداد تأثيرنا على من حولنا، كلّما ازدادت محاسبتنا ومسؤوليتنا تجاه الذين نؤثّر عليهم. هناك من يظهرون على التلفاز ويكونون بمثابة مثال للجيل الصاعد، إلا أنهم يعيشون حياة لا أخلاقية. هؤلاء سيُدانون بقسوة أشدّ بسبب تأثيرهم على كثيرين. لا تتسرّع بتبوّء مناصب يكون فيها لك تأثير على الآخرين. لقد طلب منّا يسوع أن نقلع الخشبة من أعيننا قبل أن نزيل القذى من أعين الآخرين (متى3:7-5). وكل من هو مؤمن بالمسيح هو في مكان تأثير؛ خصوصًا إن كان معروفًا عنك في مكان سكنك أو عملك بأنك مسيحيّ. فالناس يراقبونك كيف تعيش. وتعتمد أبديتهم على مدى تجاوبهم مع رسالة المسيح التي يقرأونها من خلال كلامك وتصرّفاتك. لدرجة ما، جميعنا نعلّم من دون أن نكون أساتذة. ومن الضروري أن يرانا الآخرون نعيش حياة تمجّد الله:
"لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!" (يعقوب 1:3)
يُسارع يعقوب ليُذكرنا في الآية أعلاه عن المراكز ذات التأثير حتى في الكنيسة. فأولاد الله يتمثّلون بأسلوب حياة القسيس أو القادة. وفي يوم الدينونة، ستكون دينونة المؤمنين القادة أشدّ بسبب المعرفة التي لديهم وتأثيرهم على الآخرين. وكلّما ازداد التأثير، ازدادت المحاسبة. ومن المنطقي أنه كما أنّه هنالك درجات متفاوتة من المكافأة للمبرّرين، كذلك سيكون هنالك درجات متفاوتة للعقاب في الجحيم أيضًا.
دعونا نلقي نظرة على النص الكتابي حيث علّم يسوع عن شخصين ماتا وأين وجدا نفسيهما. أرجو الملاحظة أنّ يسوع لم يقل أنّ هذا مثل؛ كذلك فإن أحدهما سُمِّي باسمه وهذا أمر غير مألوف في الأمثال، فقد دعى الفقير باسمه "لعازر". ما أعنيه هو أنّ يسوع يخبرنا عن حالة حقيقية:
لعازر والغني
«كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا.
وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوبًا بِالْقُرُوحِ،
وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.
فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ،
فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ،
فَنَادَى وَقَالَ: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هذَا كُلِّهِ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا.
فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يَا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ أَبِي،
لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُمْ لِكَيْلاَ يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هذَا.
قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ.
فَقَالَ: لاَ، يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ.
فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ».(لوقا19:16-31)
وقبل أن نستفيض في دراسة هذا المقطع من المفيد أن نرى ماذا يعلّم الكتاب المقدّس عن أين ذهبت روحا ونفسا ذلك الرجلين عندما ماتا. إستُخدمت عبارتا "الجحيم" و"حضن ابراهيم" للدلالة على حالتين مختلفتين وجدا أنفسهما فيها. وتُرجمت الكلمة اليونانية Hades (الهاوية في العهد القديم) إلى الجحيم. ونجد كلمة الهاوية في العهد الجديد عشر مرّات. وقد ذكر يسوع أنّه بينما جسده سيُدفن في القبر إلاّ أنّه سيكون في قلب الأرض:
"لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال." (متى40:12)
عندما مات المسيح ذهب إلى مكان كان قد قال عنه هو إنّه مكان في قلب الأرض. وقد كتب بولس الرسول عن المكان الذي تحت الأرض حيث تذهب الأرواح المنتقلة من هذا العالم:
"لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ،" (فيليبي 10:2)
ويعتقد الكثيرون أنّ الجحيم هو مكان في الأرض مكوّن من قسمين مختلفين: إحدهما يُدعى حضن ابراهيم أو جنب ابراهيم ويشير إلى القرب من قلب ذلك الإنسان. وكلمة أخرى مستخدمة لمكان الأبرار هي الفردوس؛ وقد استخدم يسوع هذه العبارة عندما تكلّم مع اللص الذي آمن على الصليب: "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ» (لوقا 43:23). ولا يمكن أن يكون الفردوس السماء، لأنّ يسوع قال لمريم المجدلية في يوم قيامته:«لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ».(يوحنا 17:20). تشهد هذه الأعداد أنّه عندما مات المسيح نزلت روحه إلى الجحيم حيث انتشل مفاتيح الموت والجحيم (الهاوية) من قبضة ابليس (رؤيا18:1). ومن ثم ذهب إلى جانب الفردوس من باطن الأرض وأطلق القدّيسين الأبرار الذين كانوا قد وضعوا ثقتهم بالله:"وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِين." (1كورنثوس20:15). يسوع هو أوّل من قهر الموت ودخل السماء بسبب الغلبة التي تمّت على الصليب.
يخبرنا متى أنّه عند موت المسيح جرت عدّة ظواهر: حصلت زلزلة وانشق حجاب الهيكل من فوق لتحت. ثم بخبرنا عن أمر آخر مدهش:
"وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ." (متى52:27-53)
هل يمكنك أن تتخيّل أمرًا كهذا يحدث أمام ناظريك؟ يبدو أنّ هؤلاء القوم القدّيسين أُطلقوا كنتيجة لموت المسيح الكفّاري من جانب الأبرار للجحيم. لا نُخبَر كم بقوا على الأرض أو حتى من هم. وعلى الأرجح أنّه بعدما التقى مريم المجدلية صعد يسوع إلى السماء مع الأبرار الذين كانوا منتظرين في حضن ابراهيم أو الفردوس.
ويؤكّد بولس الرسول وجهة النظر هذه في رسالته إلى الكنيسة في أفسس فيخبر بأن المسيح انحدر إلى أسافل الأرض قبل أن يصعد ويجلس على عرشه:
"لِذلِكَ يَقُولُ:«إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضًا فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ." أفسس 8:4-10
من المهم أن نفهم أنّه بسبب موت المسيح ودفنه وقيامته، لا ينزل المؤمن عند موته إلى أقسام الأرض السفلى لكنه يصعد إلى السماء ليكون مع الرب في السماء إلى الأبد. وقد تشير عبارة "سبى سبيًا" إلى المؤمنين الذين كانوا منتظرين في حضن ابراهيم والذين أُخذوا إلى السماء مع المسيح عندما صعد هو. نحن نعلم أنّه منذ قيامة المسيح، يذهب المؤمنون ليكونوا مع الرب عند موتهم. يقول بولس:
"وَلكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي!
فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا.
وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ." (فيليبي 22:1-24) إقرأ أيضًا 2كورنثوس8:5
يعطينا النص الذي نحن بصدد دراسته فكرة عما يحصل الآن في الجحيم بينما نتكلم أو نقرأ وتبدو كأنها قصة واقعية عن مصير رجلين مختلفين وأين ذهبا بعد الموت. ويُذكر في هذا النص إسما لعازر وابراهيم. وفي بعض المخطوطات كالفولغا يُشار إلى الغني بال Dives أي الغني في اللغة اللاتينية.
حال الرجلين على الأرض. الأعداد 19-21
كيف وُصف الغني ولعازر بينما كانا على الأرض؟
لم يكن اللون الأرجواني في أيام المسيح سهل المنال. ولا بدّ أن ذلك الغني كان يلبس أرجوانا انتاج مدينة صور
(أو الأرجوان الملكي) ما يشبه ماركات ال Prada أو ال Armani أو ما شابه ذلك. وكان ذلك اللون يُستخرج من صدفة نادرة. وقد قيّم ثمنها أرسطو بعشرة أو عشرين مرة وزنها من الذهب. وكان الرجل الغني يلبس الكتان والكلمة اليونانية المستخدمة هي bussos والتي تشير إلى خيط قوي نادر يفرزه بلح البحر. وكان الكتان الغالي الثمن لبس الملوك كالملك توت عنخ أمون. وكان ذلك الغني يعيش يوميًا حياة مترفة. كان يأكل أفضل الأطعمة، ويشرب أفضل الخمور، وكان قصره أفضل قصور المنطقة. ولا نبالغ إذ نقول إنه كان مشهورًا بحسد الكثيرين منه. وكان صاحب نفوذ كبير.
ونقرأ أنّ لعازر كان يُوضع عند باب الغني، والكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي ballo والتي تعني حرفيًا أن يُرمى بقوة. كان يُرمى بقسوة ويُترك هناك بينما يلفظ أنفاسه الأخيرة. والأغلب أنّه كان يُوضع أمام باب الخدم عند المدخل الخلفي للمنزل حيث كانوا يرمون القمامة وحيث كان الكلاب يجتمعون ليلحسوا تقرّحاته. وكان واضحا للجميع أنّ لعازر كان مريضًا جدا حيث أن التقرحات كانت تملأ جسده. وكان واضحًا أنّه لم يستطع الذهاب إلى أي ِّ مكانٍ آخر بسبب مرضه ، بل كان يبقى في المكان الذي يُوضع فيه ويستعطي فضلات الطعام التي كانت تقع من مائدة الرجل الغني. يخبرنا وليم باركلاي:
"في تلك الأيّام لم تكن هناك سكاكين أو شوك أو محارم، بل كان الطعام يؤكل باليدين حتى في أفخم البيوت؛ كانت الأيدي تنظّف بفركها بالخبز (الخبز العربي، على الأرجح) الذي كان يُرمى بعد الإستعمال."
وكانت الكلاب تلحس قروحه، ولا بدّ أنّه كان معيًّا من المرض فلم يستطع صدّها. لا نعلم ما إذا كان الغني قد رماه في الخارج لأنه طلب التصدّق عليه، أو أنّ أهل البلد رموه هناك خوفًا من العدوى. لكن الواضح أنّه لم يكن بمقدور لعازر تسديد احتياجاته، بل كان يشتهي تناول الفتات ويتنافس مع الكلاب عليها التي لم تكن جميعها أليفة.
حال الرجلين في الأبدية. الأعداد 22-26
برأيك، كيف احتُفل بذكر حياة الرجلين عند وفاتهما؟
لا نُخبر أن أية مراسيم أُقيمت على شرف لعازر. لا جنارة ولا دفن حتّى. لم يهتم أحدٌ به خلال حياته، فمن البديهي أن لا يهتم أحد به عند مماته. سكوت الكتاب المقدّس عن هذا الأمر له دلالة واضحة.
بالمقابل، فإننا نُخبر بأنّ الغني دُفِن. ولا بد أنها كانت جنازة طنانة رافقها حداد عام. ولا بد أنّ جسده دُفن في مقبرة على جبل الزيتون حيث يُدفن الأغنياء فقط.
ورافق أهل الفقيد مجموعة من النوّاحين المحترفين كما كانت العادة في تلك الأيّام. وبالطبع، لم يهتم الغني لتلك التفاصيل حين مات، إلا أنّه تفاجأ إذ وجد نفسه في الجحيم. من المرجّح أنّ أحدًا لم يكترث لإسم لعازر حين كان يقعد أمام بوابة الغني، لكن كان الجميع يعرف اسم الغنيّ. لكن انقلبت المعايير في الجهة المقابلة بعد الموت: عرف الجميع اسم لعازر، ولم تكن هناك أدنى فكرة عن من هو الغني أو ما اسمه. أصبح فجأة لا أحد. من المحزن أن الكثيرين الذين يعتقدون أنّ الموت هو النهاية سيفاجؤون بأن يروا أنفسهم واعيين جدا عند دخولهم إلى الأبدية من بعد الموت.
يقول البعض إنّه بعد الموت تنام روحك ولا تشعر بأي أمر. ما هي الأمور في هذا النص التي تعلّم العكس؟
نقرأ في العدد 23 أنّ الغني اختبر أوّل كل شيء العذاب بشدّة. والكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي basanos والتي تعني "الإنحدار إلى أسفل، أسفل أنواع العذاب والتعذيب” وهي تشير على الأرجح عن الأمر الذي تكلّمنا عنه سابقًا وهو أنّ هنالك درجات مختلفة من العذاب في الجحيم وأسوأها هو ما يختبره ذلك الغني (تُستخدم صيغة المضارع لأنّه إن كانت قصّة حقيقية فهو ما يزال يتعذّب هناك الآن). نقرأ أيضًا أن لسانه كان ملتهبًا؛ فقد طلب ماءً ليبلّ لسانه. بالرغم من كونه دون جسد إلاّ أنّه اختبر حاسة اللمس وكان متألمــًّا.واختبر أيضًا حاستي النظر والتمييز؛ فقد رأى لعازر في حضن ابراهيم بالرغم من الهوّة العميقة. كم كان مؤلما أن يرى السماء بعد فوات الأوان ويعلم أنّه لن يختبرها للحظة.
نقرأ في رؤيا 11:20-15 أنه عند عرش الدينونة الأبيض العظيم سيُرمى الموت والهاوية في البحيرة المتقدة بالنار حيث الظلام الأبدي. عندها لن يستطيع ذلك الرجل الذي كان غنيًّا بأن يرى أي شيء.
اختبر أيضًا حاسة النطق؛ صرخ إلى ابراهيم وأخبره عن ألمه. ويبدو أنّ موقفه من لعازر لم يتبدّل إذ ظنّ أن بإمكانه أن يأمره ليجلب له الماء ويذهب إلى إخوته. وتميّز أسلوب كلامه مع ابراهيم بالتحايل إذ دعاه يا أبتِ ابراهيم مذكرا إيّاه وذلك بطريقة غير مباشرة أنه وُلد بين شعب الله المختار. كم كان مخدوعًا! وهو يشبه الذين يولدون في دول مسيحية اليوم. فكثيرون يدعون أنفسهم مسيحيين، لكن ليس جميعهم على علاقة مع الله.
بقيت معه حاسة السمع أيضًا إذ استطاع أن يسمع ابراهيم يتكلّم معه. أجابه ابراهيم بعبارة قوية مشبّعة بالحق وخالية من الأمل ستبقى معه كل الأبدية: سيتذكّر حياته على الأرض وكل فرص التوبة والرجوع إلى الله التي خسرها. كم سيكون الأمر مؤلمــًا!
سيبقى العقل يقظًا في الأبدية؛ بل وإنّ حواسنا ستبقى معنا؛ وربما ستكون أقوى في الأبدية. سيعم الندم على أفعال قمنا بها والأسوأ أنّه فات الأوان لإصلاحها. وليس للغني السابق من يتشفّع له ويخرجه من حالته؛ إنها كذبة شيطانية بأنّه يمكن لوضعك أن يتغيّر بعد الموت. وعلم أنّه سيبقى أين هو، وأنّ الهوّة قد أثبتت ولا يمكن لأحد العبور من وإلى إحدى الجهتين (ع 26). كما يكون حالك عند الموت، هكذا تكون أبديتك.وكما نقرأ في الكتاب المقدّس فليس هناك مطهر ولا عودة إلى الحياة ولا أمل في النجاة. الوقت الوحيد لتغيير مصيرك الأبدي هو قبل أن تموت ويفوت الأوان.
هل من الخطأ أن يكون المرء غنيًّا؟ هل يذهب الفقراء إلى السماء لمجرّد كونهم فقراء؟ إن كان الأمر ليس كذلك ما الخطيّة التي أودت بالغني إلى الجحيم؟
لا بدّ أن الغني ارتكب خطايا كثيرة، لكن خطيّته الأساسية كانت أنّه كان مكتفيًا من دون الله. لم يحتاج إلى شيء ما في حياته، فركّز على التمتّع والإستجمام. ومن الممكن أنّه لم يلاحظ وجود لعازر أو يهتم لأمره؛ الأمر الذي يزيد من دينونته. كان باستطاعته مساعدة لعازر وانتشاله من وضعه، لكنّه تركه يتعذّب ويموت. ظنّ أنّه من الطبيعي والمألوف أن لعازر يتعذّب وهو يتنعّم. نظر إلى إنسان مثله متألمــًا وجائعًا لكنه لم يبادر بالمعونة.
أمّا لعازر فلم يكتفِ على الأرض من دون الله، ورجَاه عند الضيق ووجده الإله الرحوم والحنّان. لكن الغني لم يشعر بالحاجة لله. وقد وُلد الإثنان في هذا العالم كما وُلدنا أنا وأنت. وقد وصف بولس في رسالته إلى أهل أفسس حالة كل إنسان كما يلي:
"أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ." (أفسس 2:12)
نحن نولد في هذا العالم من دون إله، ونُعطى عدة سنين لإيجاده. وخلال حياتنا على هذه الأرض يرسل لنا الله الفرص للتعرّف عليه. إذ أنّ إيجاد الله هي حاجة عالمية لكل إنسان. وبعد الموت سيكرّم الله خياراتنا التي قمنا بها في هذه الحياة. فإن اخترنا أن نعيش من دون الله على الأرض، سيُبقي على اختيارنا في الأبديّة. إن كنت تعيش حياتك غير آبهٍ بالله أو بالأبدية، اصرخ إليه الآن بينما الفرصة مفتوحة لإختبار نعمته. لماذا تنتظر لثانية أخرى؟ لا بدّ لإبليس ــــــــــ عدوّك الروحيّ ــــــــــ أن يجعلك تضع هذه الرسالة جانبًا إلى يوم ٍ آخر بينما المسيح ينتظرك بيدين مفتوحتين. ولا تظن أنّك تقرأ هذا الآن بالصدفة:
" كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا." (يوحنا 37:6)
دعوة إلى كل الذين ما يزالون على قيد الحياة، الأعداد 27-31
لماذا أصبح مهتمًا بأخوته الأحياء؟
لقد صلّى الرجل الغني مرّتين في جهنّم؛ مرّة من أجل الماء ومرّة من أجل إخوته والصلاتان لم تُستجابا. لقد فشل في تحمّل مسؤولياته في السابق وخصوصًا تجاه إخوته، وكان قدوة غير صالحة لهم إذ مثّل أمامهم الرجل المكتفي من دون الله. وإذ وجد نفسه في الجحيم تذكّر أنّ إخوته يعيشون متمثّلين به. وما يزيد على عذاب الذين في الجحيم هو إنفصالهم الأبدي عن أحبائهم الذين كان لهم تأثير عليهم. ليتنا نكون أمناء تجاه الذين يتمثّلون بنا؛ أخوتنا وأخواتنا وأبناؤنا وأقاربنا. يجب أن نعيش بكلِّيتنا للمسيح، فحياة الآخرين تتأثّر بنا.
لماذا لم يُرسَل أحد لإخوة الرجل الغني؟
قال ابراهيم للغني إنّ لديهم كلمة الله (في ذلك الوقت كانت لديهم كتابات موسى والأنبياء)؛ أي الشهود الذين كانوا بحاجة لهم. ومن المستحيل أن يكذب الله (عبرانيين 18:6)، فإن لم يصدِّقوا كلمة الله فإنّهم لن يؤمنوا لو رجع أحدهم من الأموات. ألا تعتقد أنه كان يحاول أن يتحايل على ابراهيم ليجعله يعود إلى إخوته؟ إني متأكّد أنه علم أنه لا محالة أن يريد لعازر العودة إلى الأرض بعدما اختبر الحياة هناك. وكلمة الله المكتوبة هي البرهان الأهم الذي يهيئنا للحياة الأبدية؛ فإن أهملناها فهذا يؤثّر على مصيرنا الأبدي.
ما الدروس المهمّة التي يمدّنا بها هذا النص؟
إنّه الوقت الآن لإيجاد الرب ولا يجب أن نتخاذل.
هناك نتائج لأفعالنا ـــــــ يمكن أن لا نختبر بعضًا منها الآن ــــــــ لكنها ترافقنا إلى الأبدية.
نؤثّر بالآخرين على هذه الأرض أكثر ممّا نشعر.
كلمة الله هي البرهان الوحيد الذي يهيئنا للحياة الأبدية.
لا يهمّ مستوانا الإقتصادي في هذا العالم، فإن كنّا لسنا للمسيح فليست لنا الحياة (1يو12:5)
من هو "لعازر" الذي عند "بوابتك" أو داخل نطاق تأثيرك؟ صلِّ لأجله الآن.
صلاة: أيُّها الآب، شكرًا لأنك أخبرتنا بوضوح في كلمتك عن كيف نتهيأ للأبدية. أصلِّي من أجل كل غير المتأكِّدين من مصيرهم الأبدي كي يطلبوك الآن. لا تدع أن يكون أيٌّ منّا مكتفيًا بالحياة من دونك. وساعدنا أن نخبر الآخرين عنك ونربحهم من مملكة الظلمة إلى مملكة النور. آمين.
Pastor Keith Thomas.
Email: keiththomas7@gmail.com
Website for free bible studies: www.groupbiblestudy.com